وأما سبب وقوع التصحيف في كتابة العرب فهو أن الذي أبدع صور حروفها لم يضعها على حكة، ولا احتاط لمن يجيء بعده، وذلك أنه وضع لخمسة أحرف صورة واحدة وهي:
الباء، والتاء، والثاء، والياء، والنون.
وكان وجه الحكمة فيه أن يمنع لكل حرف سورة مباينة للأخرى حتى يؤمن عليه التبديل.
وقال أرسطو طاليس: كل كتابة تتشابه صور حروفها فهي على شرف تولد السهو الغلط والخطأ فيهم، لأن ما في الخط دليل على ما في القول، وما في القول دليل على ما في الفكر، وما في الفكر دليل على ما في ذوات الأشياء.
وزعم بعض الفلاسفة أن كتابات الأمم إنما اختلفت كما اختلفت لغاتهم، فأما المعنى الواصل إلى الفكر فواحد لا يتغير، وصورة حروف الهجاء إنما هي علامات تحميل الدلالات، والعلامات كانت أشهر صارت دلالاتها أوضح، وإذا جاءت الدلالات أوضح كان الشك فيها أبعد، والفهم إليها أسرع.
وأما سبب إحداث النقط فإن المصاحف الخمسة التي استكتبها عثمان ﵀ وفرقها على الأمصار، غير الناس يقرءون فيها نيفًا وأربعين سنة، وذلك من زمان عثمان إلى أيام عبد الملك، فكثر التصحيف على ألسنتهم، وذلك أنه لما جاءت الباء والتاء والثاء أشباهًا في الاتصال والانفصال، وكانت الياء والنون بحكيانها في الاتصال تمكن التصحيف في الكتابة تمكنًا تامًا، فلما انتشر التصحيف بالعراق فزع الحجاج إلى كتابه وسألهم أن يضموا لهذه الحروف المشتبهة علامات فوضوا النقط إفرادًا، وازدواجًا، وخالفوا
1 / 27