Penguasaan Perancis atas Tanah Mesir dan Syam

Niqula Turki d. 1243 AH
43

Penguasaan Perancis atas Tanah Mesir dan Syam

ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية

Genre-genre

وقد كنا ذكرنا أن حين قبض وزير الختام على الجنرال بوضوط قبض أمير الجيوش على مصطفى باشا وأرسله إلى دمياط، وأقام هناك تحت الترسيم يكابد الهم العظيم، فمرض من قهره وتوارى في قبره، وصنعوا له الفرنساوية بدمياط ميتما عظيما ومحفلا جسيما حسب عادة رؤساء العساكر، فهذا ما كان من الفرنساوية في الديار المصرية.

وأما ما كان من أمير الجيوش بونابارته فإنه جاز البحار وداس الأخطار ووصل بالأمن الحريز إلى مدينة باريز، وصنع أمور غريبة واحتيالات عجيبة، ودخل على رؤساء المشيخة فارتجوا لدخوله واهتزوا لحلوله، وتعجبوا غاية العجب من خلاصه من بلاد العرب، ونهضوا بوجهه نهضة الغضب وعزموا على هلاكه والعطب، فنشر لهم أساطير اللوم والعتب، وطفق يبكتهم على فعلهم الذميم، وسيرهم الغير مستقيم، وخيانتهم الشنيعة، وتخطيهم حقايق الشريعة، وتركهم الخواص رجال المملكة الفرنساوية في ممالك البربرية من دون عون ولا إسعاف، ورميهم في الهلاك والتلاف، فنهض إليه بعض رؤساء المشيخة، فبدأ يبث له العذر فما قبل عذره وجزره، فلما جزره ضربه بالشيش على هامه، فحين حس بونابارته بالألم وثب على ذلك الشيخ وثب الأسد الضيغم، وأطلق في صدره الرصاص، فألقاه قتيل وفي دمه جديل، وهجم على بقية أرباب الديوان مع أصحابه بالسيف والنيران، فقتل منهم اثنان وهما اللذان كانا له مبغضين وعلى هلاكه بالديار المصرية متفقين.

وانتبهت أصحاب بونابارته وطفقوا يصيحون فليعش رئيس شعبنا الأمير الشهير الليث الخطير بونابارته النحرير، وحنيما سمع شعب مدينة باريز اسم هذا العزيز طفقوا يتهللون وبالندا يعلون: فليعش بونابارته مخلصنا وعظيم مشيختنا، ثم إن بعد انقضاء الهياج وهدوء ذلك العجاج عقد بونابارته ديوانا مع عظماء الجمهور وذوي التدبير في الأمور، وأوعظهم أن يختاروا رئيسا على شعب يكون خبيرا وبأمور الدهر عليما، فأجابوه جميعهم بصوت واحد: لا رئيس لمشيختنا سواك ولا لنا مدبر إلا إياك، ودعوه القنصل الأول في الجمهور الفرنساويين، كما كانت هذه العادة عند الرومانيين، وابتدأ من ذلك الوقت والحين بتجهيز العساكر الكثيرة والجيوش الغزيرة، وفتح مدارس التعليم، وأرسل الجيوش إلى ممالك إيطاليا، وأخفض المقامات السامية، ومهد الجبال العلية، وداس تلك الرقاع والبقاع، واسترجع المدن والقلاع، وملك الأقاليم والبلاد، وخضعت له تلك العباد، ورحض عساكر الإنبراطور وأخلى منهم الدور، وانقادت له الملوك، وسألوه الصلح فلم يأب بل سلك معهم غاية السلوك، وقررهم على الرضا والاتفاق مع العهود الوثاق، ورجع بالجيوش إلى مدينة باريز بنصر عزيز، وارتجت جميع الممالك الإفرنجية من سطوته القوية.

ومن بعد هذه الانتصارات الجزيلة التي تمت بأيام قليلة كتب القنصل الأول بونابارته إلى البابا سلطان رومية كتابا بالصلح والسلام، ويرده لكرسيه بالعز والإكرام وفتح الكنايس جميعها في ساير بلاد فرنسا، وأشهر إيمانه بالمسيح، واعترف جهارا أمام كل الشعوب بهذا الدين الصحيح، وانتشر ذلك في كامل البلاد الإفرنجية.

وابتدا يجاهد ويفرغ جهده لكي يعين زمرة الفرنساويين الذين بالأقاليم مصر مقيمين، فلم يمكنه عدوه الإنكليز من ذلك، وقد سدد عليه جميع الطرقات والمسالك، وكان قبض على مقدار سبعة آلاف أسير من المسكوبين في حرب نمسا، وأرسل أعلم بهم دولة الإنكليز، وطلب منهم أن يستفدي بهم ما عنده من أسير الفرنساوية، فأبى الإنكليز من ذلك، وحين تحقق بونابارته أنه لا يقبل ذلك الاتفاق، فأحضر تلك الأسارى المسكوبين ومن عليهم بالإطلاق أجمعين، وكساهم كسوة جديدة، وصنع لهم وليمة عظيمة، وحبا بهم أمر في زينة جسيمة، وأرسلهم إلى كرسي دولتهم مع أحد الجنرالية من قبله، وحرر إلى سلطان باولو أنه قد كتبت إلى سلطان الإنكليز صديقكم أن يستفدي بالأسارى المسكوبين بما عنده من أسراء الفرنساويين فأبى من ذلك ولم يرض، وحين وصلت الأسارى أعلموا السلطان باولو بما فعل بونابرته من الإكرام بعد الأسر والإعدام، ففرح فرحا شديدا ما عليه مزيد، وأمر بزينة حبا بالمشيخة الفرنساوية، وأجرى الصلح بينه وبين القنصل الأول بونابارته على حرب الإنكليز والدولة العثمانية بواسطة اقتدارهما وانتشار قوتهما، واستعد الملك باولو المشار إليه على مضادة الإنكليز والعثماني، وكتب السلطان باولو للسلطان سليم أن يمنع الحرب عن الفرنساوية المتملكين الديار المصرية، لبينما يدبر أمرا إلى الصلح، وإن لم يمتنع عن حرب الفرنساويين بينما أجرى صلحهم مع الإنكليز؛ وإلا يقتضي الأمر أن ينادي في الحرب، فحين وقف على هذا السلطان سليم فخرج حالا الأمر من الدولة العثمانية برفع الحرب عن الفرنساوية الذين هم بالديار المصرية. فهذا ما كان من القنصل الأول بونابارته.

وأما ما كان من الإنكليز؛ فإنهم لم يرتضوا بأن يمتنعوا عن محاربة الفرنساويين، فأخذوا يدبرون مكايد لهلاك السلطان باولو سلطان المسكوبيين، وبدوا يجمعون العساكر ليسيروهم إلى مصر، فبلغ بونابارته ذلك ففي الحال أرسل مركبا صغيرا إلى مدينة الإسكندرية، وأخبر أمير الجيوش أن حاضرة لمحاربتهم عساكر الإنكليزية بعشرين ألف مقاتل ، وأخبره بموت الجنرال ديزه في حرب النمسا فكان حزن عظيم عند الفرنساوية، وأخبرهم أن يصنعوا ميتما كعادة على رؤساء العساكر، وأن يتشدوا للحرب والجلاد، وأوعدهم بالإسعاف والإمداد، وأوصاهم بحفظ البلاد بقوة الحرب والجهاد، وحين دخل ذلك المركب للإسكندرية وأوصل الكتابات إلى عبد الله منو من بونابارته القنصل الأول، فعقد ديوانا في مصر وحضرت رؤساء العساكر والأوفيسيالية وفرحوا فرحا عظيما لانتصاره والصلح مع الملوك وهدوء المملكة وسكون حركاتها، وتأملوا بالإمداد، وانسروا بصلح البابا وركون البلاد، وحزنوا لفقد الجنرال ديزه وصنعوا له ميتما، واجتمعت الفرنساوية إلى بركة اليزبكية مع العلماء والحكام وأرباب الديوان، وصنعوا له تابوت وخرجوا به من باب النصر وهم منكسين البندق، وساروا إلى أرض القبة، وهناك عملوا المراثي والمناحة وأوردوا شجاعته وفروسيته والانتصارات التي صارت عن يده، ثم أطلقوا البندق حول التابوت وبكوا على فقد ذلك البهموت، ورجعوا إلى القاهرة بحسرة وافرة.

ثم نرجع لما كنا في إرادة من الوزير الأعظم، فإنه بعد رجوعه إلى أرض فلسطين بعد تلاشي عسكره ذلك المتين ابتدأ يفرق الفرمانات على ساير الأقاليم والبلاد بطلب العساكر للجهاد، وابتدت تتوارد عليه العساكر من ساير الأماكن فجدد عسكرا عظيما، وقد حدث بفلسطين وتلك الأقطار غلاء جسيم، ومات من القحط أكثر أهل الديار من كثرة تلك العساكر المتبادرة والجيوش المتقاطرة، وتضايقت تلك العساكر من عدم المآكل وماتت البهايم والدواب، ثم أعقب الغلا الطاعون المريع والموت الفجيع، فمات منه الشريف والوضيع، وحاق التلاف بكل الأطراف بلا شك ولا خلاف، وحل بهم الوبال والنكال، وماتت منهم خواص الرجال، ولم يبق من تلك العساكر إلا الوجيز، ومات كل رهط وعزيز، وقد مات من السناجق أحسنهم وأفرسهم وأجملهم، وعدة وافرة من الممالك الجبارة؛ وهم مصطفى بيك الكبير، وأيوب بيك الكبير، وعثمان بيك الشرقاوي، وعثمان بيك الطاويل، وحسن بيك الجرداوي، وقاسم بيك أبو سيف، وقاسم بيك أمين البحر، والأمير شروان، وذلك من غير الكشاف والسناجق الصغار.

وتقمقمت عساكر الإسلام على رب الأنام؛ إذ كانوا يقولون: ما يحل من الله العلي العلام أن الكفار يتنعموا في خيرات مملكة الإسلام بتلك الديار ونحن نهلك بالبراري والقفار، ونلتقي الجوع وبرد الليل وحر النهار، وقد كان بلغ الوزير الأعظم الاتفاق الذي وقع بين مراد بيك والأمير كليبر، وأنه وعده إذا رحلت الفرنساوية يسلمه الديار المصرية، ثم بلغه ما حل بالأمير كليبر من المنية ففرح فرحا شديد ما عليه من مزيد، وتأمل بتملك تلك الأقطار بعد زوال ذلك الأسد المغوار، فدعا إبراهيم بيك وأمره يكتب إلى مراد بيك أن يطالب عبد الله منو أمير الجيوش بوعد سلفه كليبر، وأن لا بد لهم من الخروج عن هذه المملكة لكون لا قدرة لهم على الثبات حيث لا إسعاف لهم ولا إمداد، وقد بقوا قليلين العدد وكثيرين الأضداد، وأخصامهم في ساير البلاد، ومن المستحيل أن يقتدروا على هذا الجلاد ومحاربة جميع العباد والعساكر العثمانية، والمراكب الإنكليزية قايمة عليهم من كل الجهات، فخروجهم الآن بالصلح والسلام أوفق لهم من خروجهم بالقهر والإرغام، وأوعد الوزير لإبراهيم بيك أن متى عولوا على الامتثال وخرجوا على هذا المنوال يسلم المملكة إلى الغز المصريين كما وعدهم كليبر ويرتحل هو للقسطنطينية بالعساكر الهمايونية، ويرسل وزيرا يكون بالقلعة السلطانية، وذلك حكم الأيام السالفة بدون مناقضة ولا مخالفة، فكتب إبراهيم بيك ما أمره الوزير، وكتب أيضا الوزير فرمان إلى مراد بيك بهذا الشان.

ولما وصلت إلى مراد بيك هذه الكتابات رأيها صواب، وفي الحال كتب إلى أمير الجيوش يعرفه بتلك الأسباب، وأرسل بها عثمان بيك البرديسي وأمره أن يشرح إلى أمير الجيوش عبد الله منو ما ذكره الوزير الأعظم ويعرض عليه ذلك الفرمان الذي أتاه، فتوجه عثمان بيك إلى مصر وأخبر أمير الجيوش في تلك الكتابات وأعرض عليه الفرمان، فتغيرت منه الأحوال وأجابه: إننا نحن لسنا عازمين الآن على الخروج من هذه المملكة، فمتى عزمنا وأردنا أن نتركها نبقى في ذلك الوقت نقيم بوعدنا مع مراد بيك، ومع ذلك مراد بيك قاطن بمملكة مصر براحة كلية، وقد صار عضوا من أعضاء المشيخة الفرنساوية، ولا يكن مهتما إلا بذاته ، فأجابه عثمان بيك البرديسي أن مولاي مراد بيك أرسلني للتخبير لك بالصورة الواقعة والمكاتبة، لا على صورة السؤال والمطالبة، ولا بد عن رفع الريب والشكوك عنه؛ لأن لا بد كان يبلغ حضرتك رسالة الوزير الأعظم لمولاي فيحصل الشكوك والريب.

وقام وأرسل الجنرال المذكور، وأخبر أمير الجيوش بتحصين الإنكليز في أبو قير وقدوم عمارة العثمانية، فارتجت الفرنساوية رجة قوية، وجهز أمير الجيوش العساكر وأرسلهم على طريق رشيد، وقد خافت باقي الفرنساوية الذين بقوا بمصر، وبان عليهم إشارات الغلبة وبدوا، يخلون المنازل القاطنين بها ويتحصنون في القلعة الكبيرة وفي الجيزة، وسقطت عليهم الأوهام وتنكست منهم الأعلام، وتيقنوا بالزوال وعدم الدوام من كثرة الأخصام، ومبادرة الأعادي من كل فج ووادي، وكانت العساكر الإنكليزية والعثمانية ينوفون عن الخمسة وثلاثون ألفا جنكية، وذلك ما عدا عساكر الوزير الأعظم الوارد من الشام، وعسكر وارد من أرض الهند الشرقي على طريق القصير، خلا عن سكان الأقاليم المصرية القايمة على قدم وساق مع العساكر القادمين بالاتفاق، ومن هذا القبيل قد ارتجت قلوب الفرنساوية، وكانت قلوبهم منقسمة وغير محتزمة؛ كرها منهم في أمير الجيوش؛ لأنه فرق قلوبهم لأن في جلوسه على تخت القاهرة كره رجال سلفه كليبر.

Halaman tidak diketahui