أقف خلف المصراع الزجاجي. الأولاد يحملون الطائرات الورقية. ترتفع في سماء الحارة بألوان وأحجام مختلفة. يصنع لي طائرة بلون برتقالي. أصعد مع الأولاد إلى سطح المنزل. كل واحد معه طائرته. نقبض بشدة على الخيوط. نطلقها في الهواء. تحلق عاليا.
يجري الأولاد خلف طائراتهم المحلقة. يختفون عن نظري. أعود إلى المكتب. أراجع درس قياس الأطوال واستعمال الفرجار والقدمة. يتردد نداء في الحارة: سن السكين والمقص. أهرع إلى البلكونة. الرجل وسط الحارة خلف آلته. يحضر له «سمير» عدة سكاكين. يدفع العجلة المطاطية بيده فتدور. يضع سكينا على حافتها. ينطلق منها الشرر. يحركها من مقبضها حتى طرفها. يرفعها ويعكسها. يضعها فوق العجلة. يظهر «عبد الحميد» قادما من مدخل الحارة. يسير في وقار حتى باب المنزل. نمر من البوابة الحديدية الكبيرة. يضم أبي كيس التفاح إلى صدره. نمشي في طريق طويل مترب تحف به الأشجار الباهتة. نصل إلى مبنى من طابق واحد. ممرضات ذوات أجساد ضخمة. تتقدمنا واحدة تتدلى من خصرها سلسلة حديدية طويلة. تجرها خلفها على البلاط العاري. شبشبها المتآكل يكحت الأرض. كعباها تتخللهما الشقوق السوداء. ممر طويل تصطف على جانبيه أبواب مغلقة. بعضها له قضبان حديدية. خلفها نساء لهن نظرات غريبة. إحداهن تقهقه ضاحكة بصوت عال. تشير إلي امرأة بيضاء سمينة بوجه مليء بالبثور وتهمس: تعال. أتعلق بيد أبي. صالة مفتوحة بها عدة أسرة. أمي فوق أحدها. تبتسم في هدوء. يقدم إليها أبي كيس التفاح. تتناول منه واحدة. تمسحها بيدها وتقضم جانبا منها. تداعب وجهي بأصابعها. تسألني عن المدرسة في غير اهتمام. الممرضة الضخمة ترقبها عن كثب وعيناها على التفاح.
تصل أصابعه إلى منتصف السبحة. أفتح الشنطة. أستعرض ما لدي من بلي. أحرص على أن تكون من نوع واحد. الغالبية على هيئة كرات شفافة داخلها خطوط متعرجة متنوعة الألوان. أنتقي أربعة من أحجام وأشكال مغايرة. أضعها جانبا لأستبدلها أثناء اللعب.
تقترب أصابعه من نهاية المسبحة. أضع الشنطة جانبا. أفتح كراسة الإنشاء. أكتب كلمة «المطالعة» في منتصف السطر. أفكر ثم أترك سطرا وأكتب بحروف كبيرة: «المطالعة وما أدراك ما المطالعة.» يمتلئ السطر. أترك سطرا وأنتقل إلى السطر التالي. أتوقف عاجزا عن الاستمرار.
أنتظر حتى ينتهي من ألفيته. أقترب منه في تردد حاملا كراسة المسودات وقلم الحبر. يكتب لي دائما موضوعات الإنشاء ثم أنقلها بخطي. أتطلع إلى خده الحليق الناعم. يتناول مني الكراس.
يقول: هات قلم الرصاص.
شكر واجب
للشاعر «حمزة قناوي» على ما قدمه من عون في المراحل المختلفة من إعداد هذا الكتاب وخاصة في مراجعة المخطوطة وإعدادها للطباعة.
Halaman tidak diketahui