حوار ضيقة مزدحمة . بوابات قديمة ومصاطب حجرية أمام الدكاكين. روائح الطين والعفن ومعاصر الزيوت. تتوقف حتى تمر عربة خضار يجرها جواد. تحكم لف الملاءة السوداء حول جسدها مبرزة تفاصيله. ينبعث منها عطر جميل. أخرج إلى الصالة. أبحث عن أمي. يأتي صوت الموقد المزعج من المطبخ. أتسلل إلى غرفة نومهما. مرتبة. فوق السرير غطاء من الدانتلا المخرمة. أتناول زجاجة العطر الزرقاء من فوق التسريحة وأتشمم حافتها.
تبتعد ثم تختفي. حارة مظلمة. سلم ضيق بدرجات متآكلة. يشعل أبي عود كبريت. نصعد عدة طوابق. نتوقف أمام باب ذي شراعتين من الزجاج. إحداهما مغطاة بلوح من الكرتون. يدق الباب فيتردد صوت غاضب: مين؟ يدق مرة أخرى. تفتح عجوز تحمل مصباح زيت. ترفع المصباح إلى أعلى لترانا. يسقط الضوء فوق وجه شاحب متجهم. عين تالفة اختفت حدقتها تحت جفن منتفخ. الشيخ «عفيفي» موجود؟
تفسح الطريق في صمت. أثاث مكدس قديم. باب يفتحه عجوز ضئيل الحجم. متسربل بقفطان من قماش لامع مخطط. يرحب بأبي ويقوده إلى مائدة فوقها مصباح زيتي. يمشي بصعوبة ويترنح موشكا على السقوط. يضم القفطان حول جسده ويجلس إلى المائدة فوق مقعد. يجلس أبي أمامه وأقف إلى جواره. يتناول زجاجتين ويعد خليطا من سائلين. أحدهما له رائحة المسك. يغمس به قلما من البوص. يجذب صحنا من الصيني الأبيض. يقرب منه عينيه. ينقش عليه مربعات وحروفا غامضة. يسقط ضوء المصباح على وجهه الحليق الضامر وعينيه اللتين ترمشان بصورة متواصلة. عينا أبي متعلقتان بالقلم. على الجدران إطارات لآيات قرآنية. إعلان عن «الكوكاكولا» يقول إنها تروي العطش في الشتاء أيضا. مقاعد بالية مغطاة بقماش متسخ. أحدها بقاعدة متهاوية توشك أن تلمس الأرض.
أتحرك مبتعدا عن أبي. أقترب من الباب الموارب. أضع عيني على فتحته. تواجهني مباشرة دائرة زرقاء ذات سطح بارز. أتبين فيها العين التالفة للعجوز التي فتحت لنا. راكعة على ركبتيها تتنصت. أتراجع ملتجئا إلى أبي. ألتصق به. مائل برأسه ينصت إلى كلمات الشيخ. شفته السفلى ممتلئة ومتهدلة. يقول لأبي: إيه رأيك تشوف لي الطالع؟
يقول أبي مندهشا : أنا ؟ - أيوه أنت. أعلمك. الحكاية سهلة جدا. - طب اعملها لنفسك. - يا ريت. ما ينفعش. - وعاوز تعرف إيه؟ - ما بقي من العمر.
يتنهد أبي قائلا: فات الكتير وما بقي إلا القليل.
يعطيه عملة فضية. يسأله عن واحدة كويسة تنظف وتطبخ. يقول إنه مستعد لأن يتزوجها إذا كانت بنت ناس.
نغادر المنزل ونستقل الترام. أسأله عن العمر الذي سيعيشه. يقول إنه سيعيش حتى المائة. نمر من أمام الخردواتي. مغلق على غير العادة. يتجه أبي إلى عربة يد عليها كتلة ضخمة من العجوة مغطاة بقماش شفاف أبيض. يسقط عليها الضوء من كلوب مثبت وسطها. يشتري رطلا. ينادي علينا الحاج «عبد العليم». ندخل الدكان. الحاج خلف مكتبه. بجواره شيخ معمم يخلو فمه من الأسنان. في يده جريدة «أخبار اليوم». يقول أبي ل «سليم» إن بيضة من التي اشتراها منه قبل يومين ممششة. يجلس أبي على كرسي وأجلس إلى جواره على آخر. يقول «عبد العليم» وهو يتنحنح إن الخردواتي باع كراسة بسعر يزيد مليمين عن التسعيرة الجبرية فحوكم بستة أشهر وغرامة مائة جنيه.
يسأل أبي عن «جمعة» أفندي. يقول شيخ الحارة: مع «زراكش». - «زراكش» مين؟ - هو إنت متعرفش؟ الجنية اللي اتجوزها.
يسأل أبي في اهتمام: اتجوز جنية؟ إزاي؟
Halaman tidak diketahui