The Completion of al-Tabari's History
تكملة تاريخ الطبري
Penyiasat
ألبرت يوسف كنعان
Penerbit
المطبعة الكاثوليكية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٩٥٨
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Sejarah
كتاب تَكْمِلَة الطَّبَرِيّ =
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اما بعد الْحَمد الله الَّذِي وفقنا لهدايته ووهب لنا التَّمَسُّك بِشَرِيعَتِهِ وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد الَّذِي اخْتَارَهُ لرسالته وفضله بنبوءته ﷺ وَالدُّعَاء لمن الدُّنْيَا مهناة بمصادفة سُلْطَانه والفضائل مستفيدة من تيامن احسانه والدهر مفتخر بِحُصُول عنانه فِي يَدَيْهِ ومثوله فِي جملَة العبيد لَدَيْهِ سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ لَا زَالَ سُلْطَانه باذخ الْمَكَان راسخ الاركان وايامه رفيعة الْعِمَاد منيعة الْبِلَاد ليؤرخ من مناقبها مَالا تتَعَلَّق النُّجُوم باذياله وتقصر عين الزَّمَان عَن شِمَاله فان علم التَّارِيخ رغب فِي الِاطِّلَاع عَلَيْهِ سادة الامم والقبائل واهل المحامد والفضائل الائمة من ولد الْعَبَّاس رضوَان الله عَلَيْهِم وهى الاسرة الطاهرة والدوحة الزاهرة هداة الاعلام وشموس الاسلام وَكَانُوا اكثر الْخلق رِوَايَة لمن تقدمهم واثار من كَانَ قبلهم فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من استقامة فى الاحوال كَانَ بِالنعَم مذكرا وَمَا شاهدوا فِيهِ من الاختلال كَانَ منبها ومنذرا وَقد روى ان رجلا سَالَ سعيد بن الْمسيب رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَقَالَ رايت رَسُول الله ﷺ فِي مَنَامِي (٣ / ٤) فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا ان الله بعث نبيه ﷺ بشيرا وَنَذِيرا فَمن كَانَ على خير بشره وامره بِالزِّيَادَةِ وَمن كَانَ شَرّ حذره وامره بِالتَّوْبَةِ والاطلاع فِي اخبار النَّاس مرْآة النَّاظر تصدق عَن المحاسن والمقابح ويهذب ذَوي البصائر والقرائح وَبهَا يذكر الله تَعَالَى من عباده مَا يرَاهُ اهلا لذكره ومستوجبا لكريم ثَوَابه واجره هُنَا الْمَنْصُور رضى الله عَنهُ وَهُوَ باذل الائمة وكافل الامة قَالَ لاصحابه الْمُلُوك اربعة مُعَاوِيَة وَكَفاهُ زياده (١) وعبد الملك وَكَفاهُ حجاجا وَهِشَام وَكَفاهُ موَالِيه وانا وَلَا كَافِي لي واجماله لذَلِك استنهاض مِنْهُ لَهُم على معرفَة اخبارهم وَهَذَا الْمهْدي ﵀ عَلَيْهِ لما حج فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَة جعل ينظر الى بِنَاء
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اما بعد الْحَمد الله الَّذِي وفقنا لهدايته ووهب لنا التَّمَسُّك بِشَرِيعَتِهِ وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد الَّذِي اخْتَارَهُ لرسالته وفضله بنبوءته ﷺ وَالدُّعَاء لمن الدُّنْيَا مهناة بمصادفة سُلْطَانه والفضائل مستفيدة من تيامن احسانه والدهر مفتخر بِحُصُول عنانه فِي يَدَيْهِ ومثوله فِي جملَة العبيد لَدَيْهِ سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ لَا زَالَ سُلْطَانه باذخ الْمَكَان راسخ الاركان وايامه رفيعة الْعِمَاد منيعة الْبِلَاد ليؤرخ من مناقبها مَالا تتَعَلَّق النُّجُوم باذياله وتقصر عين الزَّمَان عَن شِمَاله فان علم التَّارِيخ رغب فِي الِاطِّلَاع عَلَيْهِ سادة الامم والقبائل واهل المحامد والفضائل الائمة من ولد الْعَبَّاس رضوَان الله عَلَيْهِم وهى الاسرة الطاهرة والدوحة الزاهرة هداة الاعلام وشموس الاسلام وَكَانُوا اكثر الْخلق رِوَايَة لمن تقدمهم واثار من كَانَ قبلهم فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من استقامة فى الاحوال كَانَ بِالنعَم مذكرا وَمَا شاهدوا فِيهِ من الاختلال كَانَ منبها ومنذرا وَقد روى ان رجلا سَالَ سعيد بن الْمسيب رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَقَالَ رايت رَسُول الله ﷺ فِي مَنَامِي (٣ / ٤) فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا ان الله بعث نبيه ﷺ بشيرا وَنَذِيرا فَمن كَانَ على خير بشره وامره بِالزِّيَادَةِ وَمن كَانَ شَرّ حذره وامره بِالتَّوْبَةِ والاطلاع فِي اخبار النَّاس مرْآة النَّاظر تصدق عَن المحاسن والمقابح ويهذب ذَوي البصائر والقرائح وَبهَا يذكر الله تَعَالَى من عباده مَا يرَاهُ اهلا لذكره ومستوجبا لكريم ثَوَابه واجره هُنَا الْمَنْصُور رضى الله عَنهُ وَهُوَ باذل الائمة وكافل الامة قَالَ لاصحابه الْمُلُوك اربعة مُعَاوِيَة وَكَفاهُ زياده (١) وعبد الملك وَكَفاهُ حجاجا وَهِشَام وَكَفاهُ موَالِيه وانا وَلَا كَافِي لي واجماله لذَلِك استنهاض مِنْهُ لَهُم على معرفَة اخبارهم وَهَذَا الْمهْدي ﵀ عَلَيْهِ لما حج فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَة جعل ينظر الى بِنَاء
1 / 1
الوليدبن عبد الملك وَاخْبَرْ اصحابه بسيرته فِي بنائِهِ وان النَّاس لهجوا فِي ايامه بِالْبِنَاءِ وَشرح لَهُم امور بني امية حَتَّى اخبرهم باحتجاج الْوَلِيد بن يزِيد على هِشَام حِين انكر عَلَيْهِ الاسراف فِي ثمن عمَامَته فَقَالَ لَهُ انت ابتعت جَارِيَة باضعاف ذَلِك لاخس اطرافك فَمَا تنكر من ابتياعي هَذِه لاكرم اطرافي
وَاخْبَرْ عَن عمر بن عبد العزيز ﵀ قَالَ لَو كنت فِي قتلة الْحُسَيْن بن عَليّ ﵉ ثمَّ امرت بِدُخُول الْجنَّة لم افْعَل حَيَاء ان تقع عَيْني فِي عين مُحَمَّد ﷺ
وَهَذَا الْهَادِي (١) رضوَان الله عَلَيْهِ اخبر عَن السندي بن شاهك قَالَ كنت مَعَه بجرجان فَسمع بَين بساتينها صَوت رجل يتَغَنَّى فامر باحضاره فَقلت لَهُ مَا اشبه قصَّة هَذَا الجائي بِقصَّة صَاحب سُلَيْمَان بن عبد الملك فَقَالَ وَمَا ذَاك فَقلت خرج سُلَيْمَان فِي منزه لَهُ مَعَ حرمه فَسمع صَوت رجل يتَغَنَّى فَدَعَا صَاحب شرطته وَقَالَ عَليّ بِصَاحِب الصَّوْت فاتى بِهِ فَقَالَ لَهُ مَا حملك على الْغناء وانت على الْقرب منى وبجانب حرمي اما علمت ان الْفرس يصهل فتستفاي (٢) لَهُ الرماك (٣) وان الْحمار ليعشر فتودق لَهُ الاتن وان اليبس (٤) ليهب فتزعج لَهُ الْغنم وان الرجل يُغني فتغتلم (٥) الْمَرْأَة يَا غُلَام جبه فجبه
فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل رَجَعَ سُلَيْمَان الى ذَلِك الْمنزل فَذكر الرجل وَمَا صنع بِهِ فَقَالَ لصَاحب شرطته عَليّ بِالرجلِ الَّذِي جببته ان كَانَ حَيا فاتاه بِهِ فَقَالَ لَهُ اما بِعْت فوفيناك واما وهبت فكافيناك فَمَا دَعَاهُ الرجل الا باسمه وَقَالَ يَا سُلَيْمَان قطعت نسلي وَذَهَبت بِمَاء وَجْهي وحرمتني لذتي ثمَّ تَقول اما بِعْت واما وهبت لَا وَالله حَتَّى اقف بَين يَدي الله ﷿ (٦) فَقَالَ الْهَادِي لصَاحب الشرطة لَا تعرض للرجل
وَكَانَ الرشيد رضوَان الله عَلَيْهِ فِي بعض اسفاره وَقد نزل الثَّلج فاذاه فَقَالَ لَهُ بعض اصحابه الى مَتى سهرك يَا امير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ اسْكُتْ للرعية الْمَنَام وعلينا الْقيام وَلَا بُد لِلرَّاعِي من حراسة الاغنام
وَقد روى قطن بن وهب عَن ابيه ان عمر بن الْخطاب امير الْمُؤمنِينَ رضى الله عَنهُ انه (٧) اجتاز فِي بعض اسفاره على صَاحب غنم فَقَالَ يَا ذَا الرجل ان كل
1 / 2
رَاع مسؤول عَن رَعيته واني رايت فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ عشبا امثل من موضعك ثمَّ اثنى عل عمر رضى الله عَنهُ وَذكر سيرته يَقُول الشَّاعِر فِيهِ ... غضِبت لغضبتك القواطع والقنا ... لما نهضت لنصرة الاسلام
نَامُوا فِي كنف لعدلك وَاسع ... وسهرت تحرس غَفلَة النّوم ...
وَلَو تتبعت امثال هَذَا لاطلت وَلم ار اجْمَعْ لهَذَا الْعلم من كتاب مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فرايت ان اضيف إِلَيْهِ مجموعا عولت فِيهِ على مَا نقلته من تصانيف المؤرخين وتاليف الْمُحَقِّقين كالصولي والتنوخي والخطيب ابي بكر احْمَد بن ثَابت الْمُحدث وابي اسحاق الصابي واولاده وَابْن سِنَان وَغير هؤلاؤ واضفت الى ذَلِك مَا حفظته من شعر الشُّعَرَاء وحكايات الْعلمَاء وَتشهد بِالْحَال واختصرته بجهدي ولخصته بِحَسب طاقتي واقتصرت فِيهِ على الامور الْمَشْهُورَة والاحوال السائرة الماثورة وختمته ببيعة سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ الَّذِي قضى حق الله فِي بريته وارتسم امْرَهْ فِي رَعيته فَمن نظر فِي فضائله داوى فكره العليل وشحذ طبعه الكليل وَمَا من اُحْدُ اوتي ذخيرة تَحْصِيل وبصيرة راي اصيل يبدع فِي تدوين مناقبه وَلَا يغرب فِي اثبات فضائله وَمن قصر فِي جمعهَا فَلهُ فِي انعام المتامل لذَلِك مجَال يَحْرُسهُ عَن الم التقريع وثقته بفصح النَّاظر تغني عَن التبذل والمعاذير
فالرغبة الى الله تَعَالَى فِي ان يمد ظلال ايامه الَّتِى بهَا اعتدل المائل وارتدع الْجَاهِل وامن السابل وَقصر المتطاول وان يَجْعَل لَهُ من سيدنَا ومولانا عُمْدَة الدّين عضدا ينوء بقوتها ويدا يَسْطُوا ببسطتها وان يبلغهُ مِنْهُ قاصية الايثار وبنيله مِنْهُ غَايَة الِاخْتِيَار وتبديد اعدائه تَحت الذلة وَالصغَار والخيبة والخسار لَا يعتصمون بعصمة الا اباح الله حوزتها وَلَا يعتضدون بفرقة الا شتت الله كلمتها
وَمن نظر فِي عَزمَات سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ رضوَان الله عَلَيْهِ وعَلى ابائه الطاهرين وابنائه الاكرمين علم انها تاتي بِمَا لم يقرع الاسماع من قبلهَا وَلَا عثر فِي السّير بِمِثْلِهَا وَتحقّق انها ابعد مجدا وان كَانَت اقْربْ عهدا وارفع عمادا وان كَانَت احدث ميلادا فحفظ الله على الدُّنْيَا سياسته على اهلها حسن رافته حَتَّى تضع لَهُ الدُّنْيَا خدودها ضارعة وتستجب لامره سامعة طَائِعَة انه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ بمنه ولطفه
وَلما ختم ابْن جرير تَارِيخه (١) سنة اثْنَيْنِ وثلاثمائة وَهِي السّنة السَّابِعَة من خلَافَة المقتدر بِاللَّه رضى الله عَنهُ واشار الى الامور اشارة خُفْيَة رايت ان ابتدي بخلافته وَوقت بيعَته وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
1 / 3
خلَافَة المقتدر بِاللَّه (١)
مُدَّة خلَافَة المقتدر بِاللَّه ابي الْفضل جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه اربعة وَعِشْرُونَ سنة وَعشرَة ايام ومولده لثمان بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ٨٩٥ وَلم يل الْخلَافَة اصغر سنة مِنْهُ (٢)
وَليهَا وَسنة ثَلَاث عشرَة سنة وشهرا وَاحِدًا وَعِشْرُونَ يَوْمًا بُويِعَ (٣) لَهُ لما مَاتَ المكتفي (٤) بِاللَّه ابو احْمَد الْعَبَّاس بن الْحسن وَكَانَ قد مَال الى تَقْرِير الامر لعبد الله بن المعتز بمشورة ابي عبد الله مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح فَثنى رايه عَن ذَلِك ابْن الْفُرَات وَقَالَ ان ابْن المعتز يخبر نعم اصحاب السُّلْطَان وَيعرف اسرارهم وذخائرهم وَقد خالط النَّاس وَفهم امورهم فعينه ممتدة الى مَا فِي ايديهم وان كَانَ جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه صغبرا فانت تديره فقرر ذَلِك فِي نَفسه
وَلما مَاتَ المكتفي بِاللَّه (٥) انفذ الْوَزير الْعَبَّاس بن الْحسن بصافي الحرمي الى دَار ابْن طَاهِر والمقتدر بِاللَّه فاحدره الى دَار الْخلَافَة واجتازت الحراقة (٦) على دَار الْوَزير فامر الْوَزير غلمانه فَنَادوا الملاحين بِالدُّخُولِ ليغير زيه فَظن صافي ان ذَلِك لتغير راي فِيهِ فَجرد سَيْفه على الملاح وامره ان لَا يعرج على مَكَان غير دَار الْخلَافَة (٧)
وبويع حِينَئِذٍ على صَلَاة الاستخارة واطال الدُّعَاء وَكَانَ الْعَبَّاس بن الْحسن قد عول على ان ينصب فِي الْخلَافَة ابا عبد الله بن الْمُعْتَمد على الله أَو ابا الْخَيْر بن المتَوَكل على الله فماتا مختلسين
1 / 4
سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
قد ذكرت ميل ابي عبد الله مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح صَاحب الدِّيوَان الى ابْن المعتز فَلَمَّا لم يجد عِنْد الْوَزير مَا يُريدهُ عدل الى الْحسن بن حمدَان فاشار عَلَيْهِ بالمعاضدة على فسخ (١) امْر المقتدر بِاللَّه وتمهيد حَال ابْن المعتز وبادر الْحُسَيْن (٢) بن حمدَان الى الْوَزير الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَقد ركب من دَاره بدرب عمار عِنْد الثريا الى بستانه الْمَعْرُوف ببستان الْورْد عِنْد مقسم المَاء فاعترضه بِالسَّيْفِ فَقتله وَقتل مَعَه فاتكا المعتضدي وَكَانَ المقتدر بِاللَّه قد ركب لمشاهدة اجراء الْخَيل فَسمع الضجة فبادر الى الدَّار وَكَانَ الْحُسَيْن قد قصد للفتك بِهِ واغلقت الابواب دونه فَانْصَرف الى المخرم وَجلسَ فِي دَار سُلَيْمَان بن وهب وَعبر اليه ابْن المعتز وَكَانَ نزل بداره على الصراة وَحضر ارباب الدولة من الْكتاب والقواد ولاقضاة فَبَايعُوهُ ولقبوه المرتضى بِاللَّه
واستخفى ابْن الْفُرَات واستوزر ابْن المعتز ابْن الْجراح وَمضى ابْن حمدَان الى دَار الْخلَافَة فقابله (٣) الخدم والغلمان على سورها ودفعوه
وَكَانَ مَعَ المقتدر بِاللَّه غَرِيب الْحَال (٤) ومونس الْخَادِم الَّذِي لقبه بالمظفر ومونس الخازن
وَلما جن اللَّيْل مضى ابْن حمدَان باهله وَمَاله واصعد الى الْموصل واصعد غَرِيب الْخَال ومونس المظفر فِي الزبازب الى المخرم فهرب النَّاس من عِنْد ابْن المعتز وَخرج وَحده واستجار بِابْن الْجَصَّاص
واستتر عَليّ بن عِيسَى وَابْن الْجراح عِنْد بقلى فاخرجهما الْعَامَّة وسبوهما وسلموهما إِلَى خَادِم اجتاز بهم فحملهما على بغل
وَقتل مونس المظفر جَمِيع من بَايع ابْن المعتز غير عَليّ بن عِيسَى وَابْن عبدون والقاضى مُحَمَّد بن خلف بن وَكِيع
وانفذ المقتدر بِاللَّه مونسا الخازن لطلب ابْن الْفُرَات وَكَانَ قد استتر عِنْد جِيرَانه فَكَتَمُوهُ امْرَهْ فَحلف لَهُم ان السُّلْطَان يُرِيد ان يستوزره فاظهروه وَحمله الى الْخَلِيفَة فولاه وزارته
1 / 5
ونم خَادِم (١) لِابْنِ الْجَصَّاص بِخَبَر ابْن المعتز الى صافي الحرمي فكبس عَلَيْهِ واخذه واخذ ابْن الْجَصَّاص مَعَه فصودر على اموال جمة وسال ابْن الْفُرَات فِيهِ
واستنقذ ابْن الْفُرَات عَليّ بن عِيسَى وَمُحَمّد بن وَكِيع القاضى وَابْن عبدون وَنفى ابْن عبدون الى الاهواز وَنفى عليا بن عِيسَى الى وَاسِط فَلَمَّا حصلا بالموضوعين قرر سوسن مَعَ المقتدر بِاللَّه احضار ابْن عبدون وتوليته الوزارة
فَلَمَّا حصل بواسط بلغ ذَلِك ابْن الْفُرَات فاغرى المقتدر سوسن حَتَّى قَتله وانفد الى عبدون من صادره واعتقله وَكتب عَليّ بن عِيسَى الى ابْن الْفُرَات يساله (٢) ابعاده الى مَكَّة ليزول (٣) عَنهُ التهم فَفعل وَسَار اليها على طَرِيق الْبَصْرَة
وَظهر موت ابْن المعتز (٤) فَسلم الى اهله مَيتا (٥)
وَكَانَ ابْن الْجراح مستترا وعزم ابْن الْفُرَات على التَّوَصُّل الى الصفح عَنهُ واتاه رجل برقعته فامره بالاستتار حَتَّى يدبر طَرِيق الْعَفو عَن جرمه الْعَظِيم واعلمه ان صافي الحرمي يعاديه فَلم يصبر ابْن الْجراح فتتبعت امْرَأَة نَصْرَانِيَّة كَانَت تحمل رقاعة فاخذ وَحمل الى مونس فَقتله
واتى ابْن الْفُرَات رجل فاخبره انه يعرف مَكَانَهُ فَقَالَ ان كَانَ هَذَا صَحِيحا فلك الف دِينَار والا عوقبت لكذبك الف سَوط فرضى وامر ابْن الْفُرَات حاجبا لَهُ بمراسلته ليبعد عَن الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ مستتر
فَلَمَّا علم انه قد تَركه وَمضى الى غَيره انفذ بالساعي بِهِ مَعَ صَاحب الشرطة فَلم يجدوه فامر ابْن الْفُرَات بِضَرْب السَّاعِي مِائَتي سَوط واشهاره والنداء على نَفسه وَهَذَا جَزَاء من يسْعَى بِالْبَاطِلِ ثمَّ امْر لَهُ بِمِائَتي دِينَار ونفاه الى الْبَصْرَة سرا وَقَالَ لَو لم افْعَل هَذَا بِهِ سعى لي الى الْخَلِيفَة بانني توانيت فِي امْرَهْ
واما ابو عمر القاضى فَسَأَلَ فِيهِ ابوه يُوسُف بن يَعْقُوب القاضى فاحترم لكبر سنه وادى عَنهُ مائَة الف دِينَار على ان يلازم منزله
وانفذ الْخَلِيفَة بالقسم بن سيماء وابي الهيجاء (٦) بن حمدَان لمحاربة اخيه الْحُسَيْن
1 / 6
ابْن حمدَان فهزمهما ودبر ابْن الْفُرَات حَتَّى كتب لَهُ امانا وولاه قُم
وَفِي هَذِه السّنة قلد يُوسُف ابْن ابي الساج اعمال اذربيجان وارمينية على ان يحمل بعد اعطاء الْجند والنفقات مائَة وَعشْرين الف دِينَار فِي السّنة
وَقدم بارس غُلَام اسماعيل بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان فِي اربعة الاف تركيا مفارقا لصَاحبه فقلد ديار (١) ربيعَة
وَكَانَ للوزير الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ابْن كنيته ابو جَعْفَر واسْمه مُحَمَّد فَمضى بعد قتل ابيه الى بخارا واقام عِنْد الْمُلُوك السامانية وَمن شعره ... لَئِن اصبحت مَنْبُوذًا ... باطراف خُرَاسَان
ومجفوا نبت عَن ... لَذَّة التغميض اجفاني (٢)
... ومحمولا على الصعبة ... من اعراض سُلْطَان
ومخصوصا بحرمان ... من الاعيان اعياني
ومكلوما باظفار ... ومكدوما باسنان
وملقى بَين اخفاف ... واظلاف توطاني
وَمَا دنى الى حق (٣)
هُوَ عني عطفه ثَانِي
سوى اني ارى فِي الْفضل ... فَردا لَيْسَ لي ثَانِي
كَانَ الْمجد اذ اكشفه ... عني كَانَ غطاني
ساسترفد صبري ... انه من خير اعواني
واستنجد عزمي ... انه والحزم سيان
وانضو الْهم من قلبِي ... وان أنضيت حثماني
وانجو انتجاي ان ... قَضَاء الله نجاني
الى ارضى الَّتِي ارضى ... وترضينى وترضاني
فان سلمنى الله ... وبالصنع تولاني
واوطاني اوطاني ... واعطاني اعطاني
واخلى ذرعي الدَّهْر ... وخلاني وخلاني
فَانِي لَا اجد الْعود ... مَا عَاد الجديدان ...
1 / 7
.. الى الغربة حَتَّى ... تغرب الشَّمْس مَعَ (١) بشرفان
فان غَدَتْ لَهَا يَوْمًا ... فسجاني فسجاني
وللموت الْوَحْي الاحمر ... القاني القاني ...
وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَقد سَاءَ خلقه بعلو سنه ... يَا ابا احْمَد لَا تحسن ... بايامك ظنا
فاحذر الدَّهْر فكم ... اهلك املاكا فافنى (٢)
... كم راينا من وَزِير ... صَار فِي الاجداث رهنا
ايْنَ من كنت تراهم ... درجوا قرنا فقرنا
فتجنب مركب الْكبر ... وَقل للنَّاس حسنا
رُبمَا امسى بعزل ... من باصباح يهنى
وقبيح بمطاع الامر ... الا يتاني
ارتك النَّاس وايامك ... فيهم تتمنى ...
قَالَ جحظة اضقت مرّة اضاقة شَدِيدَة فَجَلَست مَعَ الملاح ومعى طنبوري وانحدرت حَتَّى دَار الوزارة بالمخرم والوزير اذ ذَاك الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَالسَّمَاء متغيمة والستائر مَنْصُوبَة وَالْمَاء زَائِد على نَيف وَعشْرين ذِرَاعا فامرت الملاح فَشد السميرية (٣) فِي الروشن وغنيته ... عللاني بجامة وبطاس ... قهوة من ذخاير الشماس
سقياني فقد صرفت صروف ... الدَّهْر عني بدولة الْعَبَّاس
ملك ينثر الثمين من الدّرّ ... بالفاظه على القرطاس ...
فامر بِي فاصعدت وامر لي بالفي دِينَار
سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا انفذ طريف (٤) السبكري مقلد فَارس مَعَ كَاتبه الْفضل عبد الرحمن ابْن جَعْفَر الشرازي طَاهِرا وَيَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن اللَّيْث الصفار وَكَانَ قد امرهما ثمَّ عزم طريف السبكري على الْخلاف فانفذ اليه ابْن الْفُرَات مونسا مصالحة على عشرَة الاف الف دِرْهَم فَلم يرض بذلك ابْن الْفُرَات وانفذ اليه جَيْشًا وَمَعَهُ مُحَمَّد بن جَعْفَر
1 / 8
العبرتاني فواقعوا طريف السبكري على بَاب شيراز فهزموه الى سجستان فَأسرهُ احْمَد بن اسماعيل واسر مَعَه بعض بنى عَمْرو بن اللَّيْث وانفذهما الى بَغْدَاد
وَتُوفِّي العبرتاني (١) (بِفَارِس فقلد مَكَانَهُ عبد الله بن ابراهيم المسمعي
وفيهَا غرقت فَاطِمَة القهرمانة فِي طيارها تَحت الجسر فِي يَوْم ريح عاصف فَحَضَرَ صهرها بنى (٢) بن النفيس جنازتها وَجعلت السيدة مَكَانهَا ام مُوسَى
سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا اعتل صافي الحرمي (٣) ووهب دَاره بقصر عِيسَى لغلامه قَاسم وابراه من كل امْر وَمَات فَحمل الى ابْن الْفُرَات من مَاله مائَة وَعِشْرُونَ الف دِينَار وَسَبْعمائة منْطقَة ذَهَبا وَفِضة فحملها ابْن الْفُرَات الى المقتدر بِاللَّه فاقره مرتبَة استاذه
وَولى غَرِيب الْخَال مَا كَانَ يتقلده صافي من الثغور الشامية
وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ المظفر بن حَامِد امير الْيمن وَحمل الى مَكَّة فَدفن بهَا وَكَانَ ملاحظ قد انفذه الْخَلِيفَة مدَدا فَتَوَلّى مَكَانَهُ
وَفِي هَذِه السّنة توفّي احْمَد بن ابي عَوْف وشارعه فِي الْجَانِب الغربي مَعْرُوف وَكَانَ اُحْدُ الْعُدُول وَتُوفِّي وسنه نَيف وَثَمَانُونَ سنة
وَقَالَ اصابني هم لم اعرف سَببه فِي بعض الايام فَخرجت الى بُسْتَان لي على نهر عِيسَى فاجتاز بِي ركابي ثمَّ وقف فِي ظلّ شَجَرَة فتقدمت لَهُ بِمَا ياكله لانني رايته والجوع غَالب عَلَيْهِ فاكل ثمَّ نَام فاخذت الْكيس الَّذِي فِيهِ كتبه فاذا فِيهِ كتاب التُّجَّار من الرقة الى اصدقائهم بِبَغْدَاد ومعارفهم يامرونهم بشرَاء كل زَيْت بِبَغْدَاد ويخبرونهم انه مَعْدُوم عِنْدهم فبادرت وامرت وكلائي بابتياع مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الزَّيْت فابتيع الى اخر النَّهَار بِعشْرَة الاف دِينَار وَكنت قد وعدت الركابي بدينارين ان اقام ليلته عِنْدِي وَلم اعرفه السَّبَب وَلم يبت بِبَغْدَاد زَيْت لغيري فَلَمَّا اصبحت سرحت الركابي وانتشر الَّذين وصلت الْكتب اليهم فِي طلب الزين فَلم يجدوه فاربحوني فِي كل دِرْهَم درهما فَعلمت انه انما كَانَ خروجي الى الْبُسْتَان لاحوز عشرَة الاف دِينَار من غير مشقة
1 / 9
وَفِي هَذِه السّنة توفّي مُحَمَّد بن دَاوُد الاصبهاني الْفَقِيه (١) صَاحب الْكتاب الْمَعْرُوف بالزهرة (٢)
حكى الشَّيْخ ابو اسحاق الشِّيرَازِيّ فِي كتاب الْفُقَهَاء عَن القاضى ابي الطّيب الطَّبَرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس الخضري قَالَ كنت جَالِسا عِنْد ابْن دَاوُد فَاتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت مَا تَقول فِي رجل لَهُ زَوْجَة لَا هُوَ ممسكها وَلَا هُوَ مُطلقهَا فَقَالَ ابو بكر قد اخْتلف اهل الْعلم فِي ذَلِك فَقَالَ قَائِلُونَ يُؤمر بِالصبرِ والاحتساب وَيبْعَث على الطّلب والاكتساب وقائلون يُؤمر بالانفاق وَلَا يحمل على الطَّلَاق فَلم تفهم الْمَرْأَة فاعادت مسئلتها فَقَالَ يَا هَذِه قد اجبتك الى مسئلتك وارشدتك الى طلبتك وَلست بسُلْطَان فامضى وَلَا زوج فارضى وَلَا قَاض فاقضى فَذَهَبت الْمَرْأَة وَلم تعرف مَا قَوْله
وَلما مَاتَ ابوه قَالَ الشَّيْخ ابو اسحاق فِي كتاب الْفُقَهَاء كَانَ يحضر مجْلِس دَاوُد اربعمائة صَاحب طيلسان احْتضرَ فَجَلَسَ مُحَمَّد مَكَانَهُ فاستصغره النَّاس فسالوه عَن حد السكر فَقَالَ مبادر حد السكر ان تعزب عَنهُ الهموم وان يبوح من سره المكتوم فَعَلمُوا نجابته حِينَئِذٍ (٣)
وَكَانَ يهوى مُحَمَّد بن جَامع ولاجله صنف كتاب الزهرة وَكَانَ مُحَمَّد بن جَامع من احسن النَّاس واكثرهم مَالا وَلَا يعرف معشوق كَانَ ينْفق الاموال على عاشق الا ابْن جَامع مَعَ ابْن دَاوُد
قَالَ الْخَطِيب فِي تَارِيخه (٤) وَخرج ابْن جَامع من الْحمام فاخذ الْمرْآة فَنظر الى وَجهه فغطاه وَركب الى ابْن دَاوُد فَلَمَّا رَآهُ مغطى الْوَجْه قَالَ لَهُ مَا الْخَبَر وَخَافَ ان يكون قد لحقته آفَة فَقَالَ رايت وجهى فِي الْمرْآة فغطيته واحببت ان لَا يرَاهُ اُحْدُ قبلك فغشى على مُحَمَّد بن دَاوُد
وَحضر ابْن دَاوُد وَابْن سُرَيج مجْلِس ابي عمر القاضى فتكلما فِي مسئلة الْعود فَقَالَ ابْن سُرَيج عَلَيْك بِكِتَاب الزهرة فَقَالَ ابو (٥) دَاوُد أبكتاب الزهرة تعيرني وانا اقول فِيهِ
1 / 10
.. اكرر فِي روض المحاسن وَجهه (١)
وامنع نَفسِي ان تنَال المحرما (٢)
... وينطق سري عَن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما
رايت الْهوى دَعْوَى من النَّاس كلهم ... فَمَا ان ارى حبا صَحِيحا مُسلما ... فَقَالَ ابْن سُرَيج اَوْ عَليّ مفخر بِهَذَا القَوْل وانا الَّذِي اقول ... ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت امنعه لذيذ سباته
ضنا (٣) لحسن حَدِيثه وعتابه ... واكرر اللحظات فِي وجناته
حَتَّى اذا مَا الصُّبْح لَاحَ عموده ... ولى بِخَاتم ربه وبراته ...
فَقَالَ ابْن دَاوُد لابي عمر ايد الله القاضى قد اقر بِالْبَيْتِ وَادّعى الْبَرَاءَة فَمَا توجبه قَالَ ابْن سُرَيج من مذهبي ان الْمقر اذا اقر اقرارا وناطه بِصفة كَانَ اقراره موكلا الى الصّفة فَقَالَ ابْن دَاوُد للشَّافِعِيّ فِي هَذِه المسئلة قَولَانِ فَقَالَ ابْن سُرَيج فَهَذَا القَوْل الَّذِي قلته اخْتِيَاري السَّاعَة
سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا قبض ابْن الْفُرَات (٤) وهتكت حرمه ونهبت دوره (٥) ودور اسبابه فَكَانَ صَاحب الشرطة مونس الخازن الْمَعْرُوف بالفحل تَحت يَده تِسْعَة الاف فَارس وراجل واذا كثر النهب وَعظم الْخطب يركب فيسكن المنتهبون عِنْد ركُوبه ويعودون الى النهب عِنْد نُزُوله ودام ذَلِك ثَلَاثَة ايام بلياليها
وتقلد بعده ابو عَليّ مُحَمَّد بن عبيد بن يحيى بن خاقَان الوزارة وَكَانَ ابو عَليّ (٦) يتقلد ديوَان الضّيَاع بعد وَفَاة ابيه فِي وزارة الْحسن بن مخلد
وَكَانَت ام مُوسَى القهرمانية تعنى بِابْني ابي الْبَغْل فولى ابا الْحسن مِنْهُمَا اصبهان وَولى الآخر الصُّلْح وَالْمبَارك
وَكَانَ ابْن الْفُرَات قد نفى ابا الْهَيْثَم الْعَبَّاس بن ثوابة الى الْموصل لِقَرَابَتِهِ من ابْن عبدون فاستدعاه ابْن الخاقاني وقلده مصادره بني الْفُرَات فاسرف فِي الْمَكْرُوه بهم وَغلب على الاحوال
1 / 11
وَكَانَ فِي احوال الخاقاني تنَاقض وَكَانَ يتَقرَّب الى الْعَامَّة فانحدر يَوْمًا فِي زبزبه الى دَار السُّلْطَان فراى جمَاعَة من الملاحين يصلونَ على دجلة فَصَعدَ وَصلى مَعَهم
وَولى ابْنه عرض الْكتب على الْخَلِيفَة (١) وَكَانَ مدمنا للشُّرْب ففسدت الامور بذلك وَكَانَ اولاده وَكتابه مرتفقون من الْعمَّال بِمَا يولونهم بِهِ الولايات ثمَّ يعزلونهم اذا راوا مطمعا فَاجْتمع بحلوان فِي خَان بهَا سَبْعَة عُمَّال ولاهم فِي عشْرين يَوْمًا مَاء الْكُوفَة وَكَانَ اذا ساله انسان حَاجَة قَالَ نعم وكرامة ودق صَدره وَكتب الى بعض الْعمَّال الزم وفقك الله الْمِنْهَاج وَاحْذَرْ عواقب الاعوجاج واحمل مَا امكن من الدَّجَاج فَحمل الْعَامِل دجاجا كثيرا وَقَالَ هَذَا دَجَاج وفره بركَة السجع
سنة ثَلَاثمِائَة
طَالب القواد الخاقاني باستحقاقهم فقصر وَاعْتذر فعزم المقتدر بِاللَّه على رد ابْن الْفُرَات فاشار مونس ان يولي عَليّ بن عِيسَى وَذكر ديانته وثقته وَقَالَ يقبح ان يعلم النَّاس ان الضَّرُورَة قادت الى ابْن الْفُرَات للطمع فِي مَاله فامر المقتدر الخاقاني ان يُكَاتب عَليّ بن عِيسَى بالحضور واظهر لَهُ الايثار لاستنابته لَهُ فَكَانَ الخاقاني يَقُول قد استدعيت على بن عِيسَى لينوب عَن عبد الله ابنى فِي الدَّوَاوِين ثمَّ ركب الى دَار السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ وعَلى اسبابه
سنة احدى وثلاثمائة
قدم فِيهَا عَليّ بن عِيسَى من مَكَّة فقلده المقتدر وزارته وخلع عَلَيْهِ وَسلم الخاقاني اليه فصادره واسبابه مصادرة قريبَة وصان حرم الخاقاني
وَاعْتمد على عَليّ بن عِيسَى مَا اشْتهر عَنهُ من افاضة الْمَعْرُوف وَعمارَة الثغور والجوامع والمارستانات فِي سَائِر الاوقات ورد الْمَظَالِم بهَا وَكتب فِي ذَلِك كتابا اوله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (٢) سَبِيل مَا يرفعهُ اليك كل وَاحِد من المتظلمين قبل النوروز من مظلمته ويدعى انه تلف بالافة من غَلَّته ان تعتمد فِي كشف حَاله على اوثق ثقاتك واصدق كفاتك حَتَّى يَصح لَك امْرَهْ فتزيل الظُّلم عَنهُ وترفعه وتضع الانصاف مَوْضِعه وَتحْتَسب من الْمَظَالِم بِمَا يُوجب الْوُقُوف عَلَيْهِ حَسبه وتستوفى الْخراج بعده من غير مُحَابَاة للاقوياء وَلَا حيف على الضُّعَفَاء واعمل بِمَا رسم لَك مَا يظْهر ويذيع ويشتهر ويشيع وَيكون الْعدْل بِهِ على الرّعية كَامِلا وللانصاف لجميعهم شَامِلًا ان شَاءَ الله
1 / 12
وساس عَليّ بن عِيسَى الدُّنْيَا السياسة الْمَشْهُورَة الَّتِى عمرت الْبِلَاد حَتَّى قَالَ لَهُ ابْن الْفُرَات لما ناظره قد اسقطت من مَال امير الْمُؤمنِينَ خَمْسمِائَة الف دِينَار فِي السّنة فَقَالَ لم استكثر هَذَا الْمِقْدَار فِي جنب مَا حططته عَن امير الْمُؤمنِينَ من الاوزار لانني حططت المكس بِمَكَّة والتكلمة (١) بِفَارِس وجباية الْخُمُور بديار ربيعَة وَلَكِن انْظُر الى نفقاتي ونفقاتك وضياعي وضياعك فاسكته
وزادت فِي ايامه الْعِمَارَة وتضاعفت الزِّرَاعَة حِين كتب اليه عَامله ان قوما (٢) ببادوريا لَا يودون الْخراج فان امرت عاقبناهم فَكتب اليه ان الْخراج دين وَلَا يجب فِيمَن امْتنع من اداء (٣) الدّين غير الْمُلَازمَة فَلَا يَتَعَدَّ (٤) ذَاك الى غَيره وَالسَّلَام
وَمِمَّا اسْتحْسنَ من افعال الخاقاني بعد عَزله ان قوما زوروا عَلَيْهِ باطلاقات ومساحات فانفذ بهَا عَليّ بن عِيسَى يساله عَنْهَا ليمضى مِنْهَا مَا اعْترف بِهِ فصادفه الرَّسُول يُصَلِّي فَلَمَّا راى ابْنه يتامل التوقيعات قطع صلَاته وَقَالَ هَذِه توقيعاتي صَحِيحَة والوزير يرى رايه فيمضى مَا آثر مِنْهَا ويعرض عَليّ مَا مَا احب مِنْهَا والتفت الى ابْنه حِين خرج الرَّسُول فَقَالَ اردت أَن تتبغض الى النَّاس فنكون السَّبَب فِي رد مَا تضمنته ويتنزه عَليّ بن عِيسَى من ذَلِك فَلم لَا نتحبب بالاعتراف بهَا فان امضاها حمدنا وان ردهَا عذرنا (٥)
وَقصد القواد عَليّ بن عِيسَى باسقاطه الزِّيَادَات الَّتِى زَادهَا ابْن الْفُرَات ووقعوا فِيهِ وثلبوه
وَفِي هَذِه السّنة خلع على الامير ابي الْعَبَّاس بن المقتدر وَهُوَ الَّذِي ولي الْخلَافَة ولقب بالراضي واستخلف لَهُ مونس
وفيهَا انفذ عَليّ بن احْمَد الرَّاسِبِي (٦) الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج وَقد قبض عَلَيْهِ بالسوس فشهر على جمل بِبَغْدَاد وصلب وَهُوَ حَيّ وَظهر عَنهُ بانه ادّعى انه الله
وَمَات الرَّاسِبِي بعد قَلِيل فاخذ السُّلْطَان من مَاله الف الف دِينَار (٧)
1 / 13
وفيهَا ورد الْخَبَر بَان اسماعيل بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان قَتله غلمانه على شاطىء نهر بَلخ وَقَامَ ابْنه ابو الْحسن نصر (١) مقَامه وانفذ اليه الْخَلِيفَة عَهده
وفيهَا ورد الْخَبَر با خَادِمًا صقلابيا لابي سعيد الجنانبي (٢) قَتله وَخرج فَلم يزل يَسْتَدْعِي قائدا قائدا ويقتله حَتَّى قتل جمَاعَة (٣) فَفطن بِهِ النِّسَاء فصحن بالامر فَقَامَ ابو طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحسن مقَام ابيه
واتى القرامطه فِي هَذِه السّنة الْبَصْرَة (٤) فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة فَقتلُوا الموكلين بِالْبَابِ وَمن خرج اليهم من المطوعة وَبلغ الْخَبَر امير الْبَصْرَة مُحَمَّد بن اسحاق بن ينداحيق (٥) فغلق الابواب (٦)
سنة اثْنَيْنِ وثلاثمائة
ورد فِيهَا كتاب ابي الْحسن نصر بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان بانه وَاقع عَمه اسحاق واسره
وَفِي هَذِه السّنة خرج مونس الى مصر وَضم اليه عَليّ بن عِيسَى اخاه عبد الرحمن وقلده كِتَابَته وَذَلِكَ عِنْد سماعهم قرب الْخَارِج بالقيروان وواقعه مونس فَانْهَزَمَ من بَين يَدَيْهِ
وَهَذَا الْخَارِج ذكر الصولي عَن اصحاب النّسَب انه عبيد الله بن عبد الله بن سَالم من اهل عَسْكَر مكرم وجده سَالم قَتله الْمهْدي رضوَان الله عَلَيْهِ على الزندقة
وانفذ ابا عبد الله الصُّوفِي الى الْمغرب فارى النَّاس زهدا وَعبادَة وطرد زِيَادَة الله ابْن عبد الله ابْن الاغلب واتاه عبيد الله فَقَالَ الى هَذَا ادعوكم
فَلَمَّا ظهر عبيد الله شرب الْخمر تبرا الصُّوفِي مِنْهُ فَدس عَلَيْهِ عبيد الله من قَتله وَملك بِلَاد الْمغرب فَهَزَمَهُ مونس وَتصدق المقتدر بِاللَّه عِنْد هزيمته باموال كَثِيرَة
1 / 14
وَفِي هَذِه السّنة صودر ابْن الْجَصَّاص قَالَ الصولي وجد لَهُ بداره بسوق يحيى خَمْسمِائَة سفط من مَتَاع مصر وَوجد فِيهَا جرار خضر وقماقم مدفونة فِيهَا دَنَانِير واخذ مِنْهُ الف الف دِينَار (١) قَالَ الصولي وَحَضَرت مَجْلِسا جرى فِيهِ بَين ابْن الْجَصَّاص وابراهيم بن احْمَد المادراني (٢) حلف فَقَالَ ابراهيم مائَة الف دِينَار من مَالِي صَدَقَة لقد ابطلت فِي الَّذِي حكيته عني فَقَالَ ابْن الْجَصَّاص قفيز دَنَانِير من مَالِي صَدَقَة انني صَادِق وانك مُبْطل فَقَالَ ابْن المادراني من جهلك انك لَا تعلم ان مائَة الف اكثر من قفيز فَانْصَرَفت الى ابي بكر بن ابي حَامِد فاخبرته فَقَالَ نعتبر هَذَا فَاحْضُرْ كجلة (٣) فملاها دَنَانِير ثمَّ وَزنهَا فَكَانَت اربعة الاف فَنَظَرْنَا فاذا القفيز سته وَتسْعُونَ الف دِينَار كَمَا قَالَ المادراني وَكَانَ ابْن الْجَصَّاص قد انفذ لَهُ من مصر مائَة عدل خيشا وَفِي كل عدل الف دِينَار فاخذت ايام نكبته وَتركت بِحَالِهَا وَلما اطلق سَالَ فِيهَا فَردَّتْ عَلَيْهِ فاخذ المَال مِنْهَا وَكَانَ اذا ضَاقَ صَدره اخْرُج جواهرايساوي خمسين الف دِينَار وَتَركه فِي صينية ذهب ويلعب بِهِ فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ وكبست دَاره كَانَ الْجَوْهَر فِي حجرَة فَرمى بِهِ الى الْبُسْتَان فَوَقع بَين شَجَرَة فَلَمَّا اطلق فتش عَلَيْهِ فِي الْبُسْتَان وَقد جف نبته وشجره وَهُوَ بِحَالهِ
وَفِي هَذِه السّنة ختن اولاد الْخَلِيفَة (٣) ونثر عَلَيْهِم خَمْسَة الاف دِينَار وَمِائَة الف دِرْهَم وَبَلغت نَفَقَة الطُّهْر سِتّمائَة الف دِينَار وادخلوا الى الْمكتب وَكَانَ مؤدبهم ابو اسحاق ابراهيم بن السّري الزّجاج (٥)
وَفِي هَذِه السّنة غزا أفسن الافشيني فاسر مائَة وَخمسين بطريقا والفي فَارس
وَفِي ذِي الْقعدَة خلع عَليّ ابي الهيجاء بن حمدَان وقلد الْموصل واعمالها
وفيهَا مَاتَت بِدعَة جَارِيَة عريب (٦) وَكَانَ اسحاق بن ايوب قد ضمن لابي الْحسن
1 / 15
عَليّ بن يحيى المنجم عشْرين الف دِينَار ان باعتها عريب مِنْهُ بِمِائَة الف دِينَار فجَاء وخاطبها فاستدعت بِدعَة وخيرتها بَين الْمقَام وَالْبيع فَاخْتَارَتْ الْمقَام فاعتقتها وَلم يملكهَا قطّ رجل (١)
وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو بكر جَعْفَر بن مُحَمَّد الغرياني وَهُوَ مِمَّن طوف شرقا وغربا لسَمَاع الحَدِيث واستقبل لما قدم بَغْدَاد بالطيارات والزبازب واملى بشارع الْمنَار بِبَاب الْكُوفَة فحزر فِي مَجْلِسه ثَلَاثُونَ الْفَا يكْتب مِنْهُم عشرَة الاف وَكَانَ فِي مَجْلِسه ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر يستلمون ومولده سنة سبع ومايتين وَدفن بالشونيزي
وَفِي هَذِه السّنة توفّي احْمَد بن عبد العزيز بن طوما الْهَاشِمِي نقيب العباسيين وَولى مَكَانَهُ ابْنه مُحَمَّد وَتُوفِّي هُوَ ابْن اثْنَيْنِ وَتِسْعين سنة وَسمعت ان لَهُ عقبا بالحاذانية ذبابه (٢) البطيحه
سنة ثَلَاث وثلاثمائة
فِيهَا اطلق طريف السبكري من الْحَبْس وخلع عَلَيْهِ خلع الرِّضَا
وَوَقع طَرِيق فِي سوق النجارين بِبَاب الشَّام وَاحْتَرَقَ وطار الشرار فاحرق ستارة جَامع الْمَدِينَة
وَعصى الْحُسَيْن بن حمدَان وَاجْتمعَ مَعَه ثَلَاثُونَ الف رجل من الْعَرَب وَهزمَ رائقا الْكَبِير واقام بازاء جَزِيرَة ابْن عمر
وَورد مونس من مصر وَقد استدعاه عَليّ بن عِيسَى لحرمه فَانْهَزَمَ اصحاب الْحُسَيْن واسره مونس وادخله الى بَغْدَاد وَمَعَهُ ابْنه عبد الوهاب فصلبه حَيا على نقنق (٣) على ظهر فيل وَنَقله ابْنه على جمل والامير ابو الْعَبَّاس والوزير عَليّ بن عِيسَى ومونس وابو الهيجاء بن حمدَان وابراهيم بن حمدَان يَسِيرُونَ بَين يَدَيْهِ وَحبس عِنْد زَيْدَانَ (٤) القهرمانة
وَقبض بعد ذَلِك على ابي الهيجاء واخوته
وَطلب الْجند الزِّيَادَة فزيد الْفَارِس ثَلَاثَة دَنَانِير والراجل خَمْسَة عشر قيراطا (٥)
1 / 16
وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو عَليّ الجبائي (١) ومولده سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ ابو عَليّ شيخ الْمُعْتَزلَة (٢) فِي زَمَانه وَمَات بعسكر مكرم وَحمل الى منزله بجبا وَلما احْتضرَ قَالَ اصحابه من يلقنه التَّوْبَة فَلم يتجاسر اُحْدُ على ذَلِك اعظاما لَهُ فَقَالَ اصغرهم سنا انا القنه وَتقدم وَقَرَأَ ﴿وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾ ٣ فَفتح ابو عَليّ عَيْنَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اني تائب اليك من كل قَول نصرته كَانَ الصَّوَاب عنْدك غَيره واشتبه عَليّ امْرَهْ فَقَالَ من حَضَره لَو كَانَ (٤) عَليّ ذَنْب غير هَذَا لذكره
وَكَانَ يذهب الى ان حكم النُّجُوم صَحِيح على وَجه وَهُوَ انه يجوز ان يكون الله تَعَالَى اجرى الْعَادة اذا صَار الْكَوْكَب الْفُلَانِيّ الَّذِي جعله الله تَعَالَى وخلقه سَعْدا الى الْموضع الْفُلَانِيّ وَكَانَ كَذَا
وَكَانَ يُنكر على المنجمين ان الْكَوَاكِب تفعل بأنفسها ذَلِك فاجتاز بعسكر مكرم على دَار سمع فِيهَا صَيْحَة لاجل امْرَأَة تَلد فَقَالَ ان صَحَّ مَا تَقوله المنجمون فَهَذَا الْمَوْلُود ذُو عاهة فَخرجت امْرَأَة فسالت ابا عَليّ الدُّخُول وان يحنك الْمَوْلُود وَيُؤذن فِي اذنه فَفعل فاذا بِهِ احنف (٥)
سنة ارْبَعْ وثلاثمائة
فِي فصل الصَّيف فزع النَّاس من شىء من الْحَيَوَان يُسمى الزبزب (٦) ذكرُوا انهم كَانُوا يرونه على السطوح لَيْلًا وَرُبمَا قطع يَد النَّائِم وثدي النائمة فَكَانُوا يضْربُونَ بالهواوين ليفزعوه وارتجت بَغْدَاد فِي الْجَانِبَيْنِ لذَلِك وَعمل النَّاس لاولادهم مكابا (٧) من سعف يكبونها عَلَيْهِم (٨)
وَفِي هَذِه السّنة قبض على عَليّ بن عِيسَى وعَلى اهله وصودر اخوه عبيد الله بن عَليّ على سِتِّينَ الف دِينَار وصودر اخوه ابراهيم بن عِيسَى على خمسين الف دِينَار وَسَأَلَ ان يُؤذن لَهُ فِي الْمقَام بدير العاقول (٩) فاجيب الى ذَلِك
1 / 17
والزم ابو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي اربعة الاف دِينَار وشفع القَاضِي ابو عَمْرو مِنْهُ فاطلق بعد ادائها
وَتمّ ذَلِك عَلَيْهِم فِي وزارة ابي الْحُسَيْن بن الْفُرَات الثَّانِيَة
وَظهر ابو عَليّ بن مقلة من استتاره وَكَانَ استتاره فِي ايام الخاقاني وَعلي بن عِيسَى واختص بِابْن الْفُرَات وَتَوَلَّى كِتَابَة السيدة والامراء اولاد المقتدر بِاللَّه
وَكَانَ يُوسُف بن ابي الساج قد قَاطع على اعمال ابهرا وزنجان والري وقزوين واستبد بِالْمَالِ واظهر ان عَليّ بن عِيسَى كَاتبه بذلك وانفذ اليه لوائين وخلعا فانكر عَليّ بن عِيسَى وَقد عنفه ابْن الْفُرَات على ذَلِك وَقَالَ اللِّوَاء وَالْخلْع وَالْكتاب (١) على حامله وكاتبه وَلَا من كتم ذَلِك
فانفذ المقتدر خاقَان المفلحي لمحاربته فَهَزَمَهُ يُوسُف وَشهر اصحابه بِالريِّ
وَقدم مونس من الثغر فانفذه المقتدر بِاللَّه لحربه فواصل ابْن ابي الساج الْمُكَاتبَة بِالرِّضَا والسوال فِي المقاطعة عَمَّا بِيَدِهِ من الاعمال وان يُؤَدِّي فِي كل سنة سَبْعمِائة الف دِينَار فَلم تقع اجابة
فَسَار من الرّيّ الى اذربيجان وَركب الاشد وَحَارب مونسا فَهَزَمَهُ وَمضى مونس الى زنجان وَقتل من اصحابه وقواده عدَّة
وانفذ ابْن ابي الساج يطْلب الصُّلْح ومونس لَا يجِيبه وَلَو اراد يُوسُف اسره لتم وَلكنه ابقى عَلَيْهِ
فَلَمَّا كَانَ فِي الْمحرم سنة سبع وثلاثمائة فِي ايام حَامِد بن الْعَبَّاس واقعه مونس باردبيل (٢) واستؤسر يُوسُف مجروحا وَحمل الى بَغْدَاد فِي شهر ربيع الاخر وَشهر على الفالج (٣) وَهُوَ جمل لَهُ سنامان يشهر عَلَيْهِ الْخَوَارِج على السُّلْطَان وَترك على راسه برنس والقراء يقراون بَين يَدَيْهِ والجيش وَرَاءه
وَحبس عِنْد زَيْدَانَ القهرمانة (٤) وخلع على مونس وطوق وسور وَزيد فِي ارزاق اصحابه
وَلما انكفأ مونس الى بَغْدَاد استولى سبك غُلَام يُوسُف على الاعمال فانفذ اليه
1 / 18
مونس قائدا الفارقي (١) لحربه فَهَزَمَهُ (٢) وسال سبك ان يقاطع على الاعمال فاجيب
واتصلت الْعَدَاوَة بَين ابْن الْفُرَات وَبَين الْحَاجِب نصر القشوري وشفيع المقتدري (٣) وَكَانَ ابْن الْفُرَات قد قلد ابْن مقلة كِتَابَة نصر فاستوحش ابْن مقلة من ابْن الْفُرَات فاطعمه صَاحبه وَابْن الْحوَاري فِي تقلد الوزارة وَكَانَ يهدي اليهما اخبار ابْن الْفُرَات
سنة خمس وثلاثمائة
فِيهَا مَاتَ طريف السبكري بعد اطلاقه من الْحَبْس
وفيهَا اطلق ابو الهيجاء (٤) واخوته وخلع عَلَيْهِم
وفيهَا مَاتَ غَرِيب الْخَال خَال (٥) المقتدر بِاللَّه وَعقد لِابْنِهِ مَكَانَهُ وَحضر ابْن الْفُرَات جنَازَته بداره بالنجمي
وفيهَا قلد ابو عَمْرو قَضَاء الْحَرَمَيْنِ
سنة سِتّ وثلاثمائة
فِي هَذِه السّنة تاخرت ارزاق الْجند وَاحْتج ابْن الْفُرَات بَان المَال صرف فِي نَفَقَة الْجَيْش الَّذِي جهزه لمحاربة ابْن ابي الساج فَقبض عَلَيْهِ (٦) فَكَانَت وزارته هَذِه (٧) سنة وَخَمْسَة اشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا
وَدخل على جحظاة بعض اصدقائه فَقَالَ لَهُ مَا تتمنى فَقَالَ لم يبْق لي مني غير نكبات الوزراء فَقَالَ لَهُ قد نكب ابْن الْفُرَات فَقَالَ جحظة ... احسن من قهوة مُعتقة ... تخانها فِي انائها ذَهَبا
من كف مقدودة منعمة ... تقسم فِينَا الحاظها الوصبا
ومسمع نَهَضَ السرُور اذا ... رَجَعَ فِيمَا تَقول اَوْ ضربا
ونعمة قوم ازالها قدر ... لم يحظ حر فِيهَا بِمَا طلبا ...
وزارة حَامِد بن الْعَبَّاس
كَانَ حَامِد يَسْتَدْعِي قسيم الْجَوْهَرِي خَادِم السيدة اذا خرج الى وَاسِط لمشارفة
1 / 19
اعمالهابها ويلاطفه فَعَاد من عِنْده وَقد نكب ابْن الْفُرَات فاشار بِهِ فَوَافَقَ ذَلِك مشورة ابْن الْحوَاري (١) ايضا فوصل وَقد كُوتِبَ الى بَغْدَاد فِي الْيَوْم الرَّابِع من الْقَبْض على ابْن الْفُرَات وَكَانَ (٢) لَهُ اربعمائة غُلَام يحملون السِّلَاح وعدة حجاب تجرى مجْرى القواد
واشا رابن الْحوَاري عَلَيْهِ بِطَلَب عَليّ بن عِيسَى ومساءلة المقتدر بِاللَّه فِيهِ ليخلفه على الدَّوَاوِين فَفعل فَقَالَ المقتدر بِاللَّه مَا احسب عَليّ بن عِيسَى يرضى ان يكون تَابعا بعد ان كَانَ متبوعا فَقَالَ حَامِد (٣) انا اعامل الوزراء مُنْذُ ايام النَّاصِر لدين الله فَمَا رايت اعْفُ من عَليّ بن عِيسَى وَلَا اكبر نفسا مِنْهُ وَلم لَا يستجيب لخلافة الوزارة وانما الْكَاتِب كالخياط يخيط يَوْمًا ثوبا قِيمَته الف دِينَار ويخيط يَوْمًا ثوبا قِيمَته عشرَة دَرَاهِم فَضَحِك مِنْهُ من سمع قَوْله وعيب بِهَذَا
وازدري عَلَيْهِ ان ام مُوسَى القهرمانة خرجت اليه برقعة من الْخَلِيفَة فقراها ووضعها بَين يَدَيْهِ واخذ يتحدث حَدِيث شقّ الفرن المنبجر ايام النَّاصِر لدين الله بواسط وام مُوسَى مستعجلة بِالْجَوَابِ وَلم يجب الى ان استوفى حَدِيث الشق وحكايته مَعهَا فِي قَوْله لَهَا التقطي واحذري ان تغلطي مَشْهُورَة (٤)
وَكتب ابو الْحسن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن ثوابة عَن المقتدر بِاللَّه كتابا الى اصحاب الاطراف يذكر فِيهِ وزارة حَامِد اوله اما بعد فان احْمَد الامور مَا عَم صَلَاحه ومنفعته وَخير التَّدْبِير مَا رُجي سداده واصابته وازكى الاعمال مَا وصل الى الكافة بمنه وبركته وافضل الاكوان مَا كَانَ اتِّبَاع الْحق سَبيله عَادَته
وخلع المقتدر بِاللَّه على عَليّ بن عِيسَى وانفذ بِهِ مَعَ صَاحب نصر الْحَاجِب وشفيع المقتدري الى دَار حَامِد على اعمال المملكة
وَكتب اليه عَليّ بن عِيسَى فِي بعض الايام رقْعَة خاطبه فِيهَا بِعَبْدِهِ فانكر ذَلِك حَامِد وَقَالَ لست اقْرَأ لَهُ رقْعَة اذا خاطبني بِهَذَا بل يخاطبني بِمثل مَا اخاطبه بِهِ
وَكَانَ يكْتب كل وَاحِد مِنْهُمَا الى صَاحبه اسْمه وَاسم ابيه وشكر لَهُ عَليّ بن عِيسَى هَذَا الْفِعْل وَسَقَطت منزلَة حَامِد وَتفرد عَليّ بالامور وَقيل فيهمَا قَالَ ابْن بسام ... يَا ابْن الْفُرَات تعزى ... قد صَار امرك آيَة ... لما عزلت حصلنا ... على وَزِير بدايه ...
1 / 20