Tajrid
شرح التجريد في فقه الزيدية
Genre-genre
فبان بما ذكرناه تعارض هذه الأخبار؛ لأن هذا القول عند المخالف خرج مخرج التحديد، وكيف يجب أن يحد مرة بالقلة، ومرة بالقلتين، ومرة بثلاث قلال، ومرة بأربعين قلة، ألا ترى أن التحديد لكل واحدة من ذلك ينافي التحديد للآخر، على أن قول ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رويناه أخيرا: (( إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا )) مع ما روي عنه: (( إذا بلغ قلتين )) يدل على أنه لم يضبط الحديث لتنافي الروايتين، أو على أن الرواة لم يضبطوا، فهذا أيضا يدل على ضعف الحديث؛ لأن الاضطراب في المتن كالاضطراب في السند في باب الدلالة على ضعف الخبر.
وأما التأويل الذي يعتمد عليه في ذلك فوجوه:
منها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سئل عن الماء في البادية، قال: (( إذا بلغ الماء قلتين ))، وأراد(1) إذا بلغ في القلة والنزارة قلتين، لم يحتمل خبثا، أي: ضعف عن أن يحمل الخبث.
فإن قيل: قد روي: لم ينجس؟
قيل له: أكثر الروايات على ما ذكرناه، ولا يمتنع أن يكون بعض الرواة سمع ذلك فتأوله على ما تأولتم عليه، ثم رواه على المعنى دون اللفظ.
فإن قيل: لو جاز قبول هذا الجنس من التأويل، لبطل أكثر الأخبار؛ إذ يمكن أن يقال فيه ذلك.
قيل له: نحن إنما قلنا ما قلناه في هذا الخبر، لأن اللفظ الأشهر الأكثر غير هذا اللفظ الذي تعلقتم به من أنه لا ينجس؛ ولأنا قد بينا في إسناد هذا الخبر ومتنه ما يدل على الاضطراب، وأنه غير مضبوط، وكل خبر شاركه في هذه الأوصاف صح أن يقال فيه ما قلناه في هذا الخبر، وما لم يشاركه فيها لم يصح أن يقال ذلك فيه.
ومنها: أن القلة اسم لرأس الجبل، فلا يمتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد إذا بلغ الماء قلتي الجبل كثرة، لم يحمل الخبث، ولم ينجس، وهذا هو ما نذهب إليه.
Halaman 28