Pembaruan Pemikiran Arab
تجديد الفكر العربي
Genre-genre
كانت - إذن - تأخذني الوساوس أحيانا، أنه ربما كانت علة الحيرة والاضطراب أمام السؤال الذي نطرحه عن طريقة الدمج التي تتيح لنا عجينة قوامها أصالة عربية وتجديد معاصر في آن معا، هي أن السؤال نفسه تنقصه عناصر السؤال المشروع بمعنى أنه يتطلب الجمع بين نقيضين لا يلتقيان.
وفجأة وجدت المفتاح الذي اهتدي به، ولقد وجدته في عبارة قرأتها نقلا عن هربرت ريد؛ إذ وجدته يقول:
إنني لعلى علم بأن هنالك شيئا اسمه «التراث»، ولكن قيمته عندي هي في كونه مجموعة من وسائل تقنية يمكن أن نأخذها عن السلف لنستخدمها اليوم ونحن آمنون بالنسبة إلى ما استحدثناه من طرائق جديدة؟ فمثلا هنالك طريقة استخدمها السابقون في حزم الدريس، وأخرى استخدموها في نظم المقطوعات الشعرية (السوناتا) ونستطيع أن نعلم هذه الطريقة أو تلك لمن شاء أن يتعلم ... وإن الحالة التي يعانيها العالم اليوم لهي في رأيي كافية للدلالة على مدى ما تستطيعه الصورة الفكرية التقليدية - كنسية كانت أو أكاديمية - في حل مشكلاتنا، وهي الصور التي يطالبوننا اليوم بأن نحيطها بالتبجيل والتقديس لأنها هي التراث ...
أقول: إنني وجدت في هذه العبارة مفتاحا للموقف كله، فماذا عسانا أن نأخذ من تراث الأقدمين؟ الجواب هو: نأخذ من تراث الأقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم تطبيقا عمليا، فيضاف إلى الطرائق الجديدة المستحدثة، فكل طريقة للعمل اصطنعها الأقدمون وجاءت طريقة جديدة أنجح منها، كان لا بد من اطراح الطريقة القديمة ووضعها على رف الماضي الذي لا يعنى به إلا المؤرخون. بعبارة أخرى: إن الثقافة - ثقافة الأقدمين أو المعاصرين - هي طرائق عيش، فإذا كان عند أسلافنا طريقة تفيدنا في معاشنا الراهن، أخذناها وكان ذلك هو الجانب الذي نحييه من التراث، وأما ما لا ينفع نفعا عمليا تطبيقيا فهو الذي نتركه غير آسفين، وكذلك نقف الوقفة نفسها بالنسبة إلى ثقافة معاصرينا من أبناء أوروبا وأمريكا.
المدار هو العمل والتطبيق، المدار هو ما يعاش به، هو ما يستطاع سلكه في جسم الحياة كما يحياها الناس، أو كما ينبغي لهم أن يحيوها، فإذا ألفيت عند السلف طريقة تنفعني اليوم في بناء المنازل، أو في رصف الطرق، أو في إقامة الحياة الاقتصادية من زراعة وصناعة وتجارة، أو في طرائق التعبير باللفظ عما يريد الناس أن يعبروا عنه مما تعتمل به نفوسهم اليوم، كان ذلك هو التراث الذي تحييه، وأما ما يبقى فلا مندوحة له عن أن يظل راقدا في أجداثه، مجالا لمن شاء من المؤرخين.
على أنه ليس كل من يأخذه ابن اليوم من إنسان الأمس جائز القبول، حتى ولو كان أداة من أدوات الحياة العملية. فالفلاح المصري قد ورث عن جده القديم طريقته في حرث الأرض وريها، لكنه تراث ظهر له اليوم من آلات البخار والكهرباء ما ينسخه، فعندئذ لا يجوز لهذا الفلاح أن يحتج على أدوات عصره قائلا: لكن المحراث والشادوف والساقية هي تراثي من الآباء والأجداد، برغم أنه تراث عملي نافع في حدوده. والفلاحة المصرية قد ورثت عن جدتها القديمة طريقتها في تشييع موتاها، لكننا لا نتردد في رفض تراث كهذا، ونتمنى له الزوال السريع.
وإني لأعلم أن من القراء ممن سيأخذه العجب لهذه الأمثلة التي أسوقها تدليلا على التراث، متى يجوز بقاؤه ومتى لا يجوز، قائلا لنفسه: ليس هذا هو التراث الذي نعنيه حين نتحدث عن حياتنا الثقافية كيف ينبغي لها أن تكون، وماذا يجب أن تستمده من «التراث» وماذا يجب أن تهمله، فليس المحراث والشادوف وصرخات المرأة الحزينة المشيعة لفقيدها جزءا من «التراث» بهذا المعنى الذي نعنيه، إنما نعني في هذا الصدد شرع الدين ونظم الشعر وإرسال الحكمة، والشجاعة في القتال، وإكرام الضيف، وما إلى هذه الجوانب من حياة أسلافنا، وما قيل فيها وما روي بشأنها. لكنني أقول للمعترض بأنه لا فرق في الأساس والجوهر - ما دمت قد جعلت قاعدتي ما أستطيع أن أستمده من الأسلاف من طرائق العمل في الحياة اليومية الجارية - لا فرق بين أن يكون الذي أتعلمه من السابقين هو طريقة حرث الأرض أو طريقة نظم الشعر أو طريقة توزيع المواريث على مستحقيها أو طريقة التعاقد على زواج أو الاحتفال بمولود جديد أو إقامة الشعائر الملائمة للجنازات ودفن الموتى. كلها وسائل نعيش بها ونسلك على أساسها. فإذا فعلنا كنا بمثابة من أدخل تراث الماضين في صلب حياته الحاضرة، وإذا رفضنا كنا رافضين لهذا التراث أن يكون جزءا من هذه الحياة.
فإذا كان السؤال المطروح هو: كيف السبيل إلى دمج التراث العربي القديم في حياتنا المعاصرة، لتكون لنا حياة عربية ومعاصرة في آن؟ كانت طريقة الإجابة السديدة هي أن أبحث عن طرائق السلوك التي يمكن نقلها عن الأسلاف العرب بحيث لا تتعارض مع طرائق السلوك التي استلزمها العلم المعاصر والمشكلات المعاصرة.
الفصل الثاني
عقبات على الطريق
Halaman tidak diketahui