Pembaruan Pemikiran Arab
تجديد الفكر العربي
Genre-genre
وتبعه في الطريق إسحاق التركي، الذي قدس أبا مسلم الخراساني، وأراد أن ينتقم لقتله (كان قتله على يدي أبي جعفر المنصور) إذ كانت عقيدته أن أبا مسلم لم يمت، بل اختبأ في الجبال، وأنه عائد يوما ليؤم أنصاره. وقد دعا إسحاق التركي هذا إلى المجوسية، كما ادعى كذلك أنه نبي مرسل من زرادشت ليرد الفرس إلى الطريق القويم.
وجاءت جماعة «الراوندية» لتنشر العقيدة بأن أبا مسلم قد حلت فيه روح الله، وأنه الإمام، وأنه لم يمت ولن يموت حتى يعود إلى الظهور ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا!
وظهر زنديق أبرص، يدعى «الأبلق» فزعم أن الروح التي كان يحيا بها عيسى - عليه السلام - قد صارت إلى علي بن أبي طالب، ثم صارت بعد علي إلى الأئمة إماما بعد إمام. ولقد دعا الأبلق هذا إلى مذهب الحلول وتناسخ الأرواح، صارفا القوم عن أداء فرائض الإسلام، مبيحا لهم صنوف اللذة المحرمة.
وكانت قصة المقنع الخراساني من أطرف ما يروى من قصص الزنادقة؛ فقد كان رجلا دميما قميئا أعور، فصنع لنفسه قناعا من ذهب، وزعم للناس أن هذا هو وجهه؛ يشع نورا؛ لأنه ليس بشرا من البشر، بل هو إله ، وطالب أتباعه بالسجود له وعبادته. وقد دعا هذا المقنع كذلك إلى مذهب التناسخ، وأنكر هو أيضا أن يكون أبو مسلم قد مات حين قتله أبو جعفر المنصور، وإنما قتل المنصور شيطانا شبه له في صورة أبي مسلم. وعاد المقنع بأتباعه إلى تعاليم مزدك (وقد ظهر مزدك في القرن الخامس الميلادي، داعيا إلى الثنوية التي تقول بأن الكون يسيره نور وظلمة، ثم هو يدعو إلى شيوعية المال والنساء، قائلا إن السلام يتحقق للناس إذا أبيحت النساء وأبيح المال مشاعا بينهم جميعا)، فإلى هذه التعاليم المزدكية من هدم للأسرة وهدم للملكية الخاصة كانت دعوة المقنع. وقد لعب المقنع على خيال الأتباع السذج بحيلة توهمهم أنه يظهر قمرا في الأفق، وجمع لنفسه مقادير ضخمة من الطعام، وأحاط نفسه بعدد كبير من النساء، وحصن نفسه داخل قلعة لأنه خشي أن تدهمه قوة ترسلها الدولة، وذلك ما حدث، هاجمته قوة لم يستطع ردها، وأدرك أن نهايته قد دنت، فأشعل النار في القلعة، وأحرق كل من فيها وما فيها من بشر ومن دواب ومن ثياب ومتاع، وألقى بنفسه فيها آخر الأمر.
ووجدت الدعوة نفسها استمرارا بعد ذلك على يدي رجل آخر يدعى «بابك الخرمي»، الذي أراد - هو الآخر - أن يثأر لأبي مسلم، وقد دعا بدوره إلى إحياء العقيدة المزدكية بما فيها من إباحات اللذات وشيوع المال والنساء والقول بالأصلين النور والظلمة.
على أن حركة الزندقة لم تكن كلها في هذا الاتجاه الظاهر البطلان، وعلى أيدي أمثال هؤلاء المهرجين، بل كانت لها صور أخرى أقوى جذورا وأخفى ظهورا، ويكفي أن نجد من الزنادقة شعراء كأبي نواس وبشار، وكتابا كأبي المقفع؛ فقد اشتد الصراع الثقافي بين العرب والفرس، حتى لقد لجأ كل فريق منهما إلى بذل الجهود الثقافية الجادة تأييدا لوجهة نظره، كانتحال الأحاديث النبوية، فالعرب يروون أحاديث فيها تفضيل للعرب، والفرس يروون أحاديث أخرى فيها تفضيل للفرس، ثم أخذ كل من الفريقين يؤلف الرسائل والكتب في الاتجاه الذي يراه مؤيدا للثقافة التي يدافع عنها، فأنصار العرب يؤلفون في اللغة والأدب، وأما الآخرون فينشرون من ضروب الثقافات ما تنطفئ بجانبه لمعة الثقافة العربية الأصيلة؛ ومن هنا كانت حركات الترجمة والنقل عن اليونان وغير اليونان من الأمم ذوات الثقافة العريقة.
فالزندقة صلتها وثيقة بحركة الشعوبية التي اقتضت أن يباهي الفرس العرب، والعرب الفرس، وما كانت المعركة التي احتدمت بين الأمين وأشياعه من العرب، والمأمون وأشياعه من الفرس، إلا انعكاسا لحركة الشعوبية تلك، وكانت الزندقة من القوة ومن سعة الشمول بحيث شغلت قادة الفكر عندئذ، وهذا هو أبو العلاء المعري يختصها بقسط موفور من رسالة الغفران، فنراه هناك يصنف الزنادقة أنماطا وصنوفا بحسب الدوافع التي مالت بهم إلى زندقتهم. ويحسن أن نوجز هنا قول أبي العلاء؛ لأنه - في رأينا - فضلا عن كونه وصفا لحركة الزندقة، فهو كذلك صورة لبعض العوامل التي كانت تعتمل في نفوس الناس إبان القرون الأولى من الثقافة العربية والإسلامية.
فهنالك الزنادقة الذين جاءت زندقتهم شاهدا على اتجاه الناس نحو النفاق، الذي يظهر شيئا ثم يخفي غير ما يظهر، يقول أبي العلاء: «فنطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الإنسان؛ لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويحتمل أن يظهر الرجل بالقول تدينا وإنما يجعل ذلك تزينا، يريد أن يصل به إلى ثناء أو غرض من أغراض الخالبة أم الفناء (يقصد أغراض الدنيا)، ولعله قد ذهب جماعة هم في الظاهر متعبدون وفيما بطن ملحدون»، ويقول في موضع آخر: «ومن الناس من يتظاهر بالمذهب ولا يعتقده، يتوصل به إلى الدنيا الفانية، وهي أغدر من الورهاء الزانية.» ثم يقول في موضع ثالث: «كم متظاهر باعتزال، وهو مع المخالف في نزال، يزعم أن ربه على الذرة يخلد في النار، بله الدرهم وبله الدينار، وما ينفك يحتقب من المآثم عظائم ... وينهمك على العهار والفسق.» ويضرب أبو العلاء أمثلة على مثل هذا النفاق، ندهش لها غاية الدهشة؛ لأنها تتناول رجالا نضعهم نحن في طليعة القادة من عالم الفكر العربي الإسلامي القديم؛ من ذلك ما أورده أبو العلاء عن الأشعري: «والأشعري إذا كشف، ظهر نمي (أي ظهر له طبع أصيل) تلعنه الأرض والسمي (أي السموات) ...» ويقول أبو العلاء عن الأشاعرة بصفة عامة إنهم إما مقلدون لإمامهم تقليدا أعمى، وإما هم يكشفون عن حقيقة الأمر لكنهم يؤثرون الصمت. وفي عبارة أبي العلاء: «إن شعر (أي إذا انتمى أحدهم إلى مذهب الأشاعرة) قلد المسكين سواه، فإنما وثق بمن أغواه، وإن بحث عن السر وتبصر، أقصر عن الخبر وقصر.»
ومصدر آخر لحركة الزندقة؛ الثقافات الأجنبية التي وجدت سبلها إلى عقول المسلمين؛ مما جعلهم يقارنون ويوازنون، فينتهي ذلك بفريق منهم إلى التحول باعتقاده إلى طريق آخر: «... فلما ضرب الإسلام بجرانه، واتسق ملكه على أركانه، مازج العرب غيرهم من الطوائف، وسمعوا كلام الأطباء وأصحاب الهيئة وأهل المنطق، فمالت منهم طائفة كثيرة».
ومصدر ثالث للزندقة - في رأي أبي العلاء - لا عقلانية الإنسان بحكم طبيعته، فإذا قسرته على نظام عقلي، فسرعان ما يفك القيد ويرتد إلى فطرته، «... وبنو آدم بلا عقول، وهذا أمر يلقنه صغير عن كبير ...» «أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.» ويقول أبو العلاء في موضع آخر ليبين كيف أن معظم الناس لا يهتدون بهدي عقولهم، وإنما يأخذ بعضهم عن بعض تقليدا ومحاكاة بغير تفكير مستقل: «... يلقن الطفل الناشئ ما سمعه من الأكابر، فيلبث معه في الدهر الغابر، والذين يسكنون في الصوامع، والمتعبدون في الجوامع، يأخذون ما هم عليه كنقل الخبر عن المخبر، لا يميزون الصدق من الكذب لدى المعبر، فلو أن بعضهم ألفى الأسرة من المجوس لخرج مجوسيا، أو من الصابئة، لأصبح لهم قرينا سيا (السي = المماثل)، وإذا المجتهد نكب عن التقليد، فما يظفر بغير التبليد، وإذا المعقول جعل هاديا، نقع بريه صاديا، ولكن أين من يصبر على أحكام العقل، ويصقل فهمه أبلغ صقل؟! هيهات! عدم ذلك في من تطلع عليه الشمس، ومن ضمنه في الرمم رمس، إلا أن يشذ رجل في الأمم، يخص من فضل بعمم.»
Halaman tidak diketahui