Pembaruan Pemikiran Arab
تجديد الفكر العربي
Genre-genre
ليست الأحداث عندنا مرهونة بأسبابها الطبيعية إلا ونحن في قاعات الدرس بالمدارس والجامعات، حتى إذا ما انصرف كل منا إلى حياته الخاصة في داره أو في المجتمع، أفسح صدره لكل خرافة على وجه الأرض، يقبلها راضيا مغتبطا مؤمنا مصدقا.
وإذا كان هذا شأن العلماء منا والدارسين، فماذا تتوقع لشأن سواد الناس أن يكون؟ وأي عجب بعد ذلك أن نعلق ما شئنا من نتائج على مجرد لفظ يكتبه كاتب في صحيفة أو كتاب، أو يخطب به خطيب في حفل مجتمع أو في إذاعة؟ إننا لنقول القول في مشكلاتنا فنحسب أن العلاج قد تم، وأن المشكلات قد انحلت؛ لأننا ذوو طبائع لا تربط بين الأحداث وأسبابها الطبيعية، إلا ونحن في قاعات الدرس بالمدارس والجامعات، وهذا على أحسن الفروض.
الفرق بين «السحر» و«العلم» هو هذا بعينه، وليس أي شيء سواه، فالسحر والعلم كلاهما محاولة لرد الظواهر إلى عللها أو أسبابها، غير أن الساحر لا يقلقه أن يرد الظاهرة البادية للعين إلى علة غيبية ليس في وسع الإنسان أن يستحدثها أو أن يسيطر عليها، وأما العالم فهو لا يقر نفسا إلا إذا رد الظاهرة المحسوسة إلى علة محسوسة كذلك؛ ليمكن بعد ذلك أن نوجد هذه العلة المحسوسة فتتبعها الظاهرة إذا أردنا. الساحر والعالم يقفان معا إلى جانب مريض ليعملا على شفائه، فأما الساحر فيربط الظاهرة المرضية بالجن والعفاريت، وأما العالم فيربطها بجرثومة معينة، فبينما يصبح الطريق مفتوحا أمام العالم للبحث عن الوسيلة التي يقتل بها تلك الجرثومة ليزول المرض ترى الطريق مغلقا أمام الساحر؛ لأنه لا يدري كيف يغالب هؤلاء الجن والعفاريت لينزاحوا عن المريض فيزاح المرض؛ لذلك يلجأ إلى وسائل لا علاقة إطلاقا بينها وبين المرض وشفائه، كأن يدق الطبول أو يحرق البخور أو يكتب الأحجبة والتمائم.
فهل أقول: إننا في حياتنا الثقافية ما زلنا في مرحلة السحر التي تعالج الأمور بغير أسبابها الطبيعية، وأننا لولا علم الغرب وعلماؤه، لتعرت حياتنا الفكرية على حقيقتها، فإذا هي حياة لا تختلف كثيرا عن حياة الإنسان البدائي في بعض مراحلها الأولى.
الفصل الثالث
ثقافة في تراثنا لا نعيشها
حقائق العالم الواقع لا تجيء إلا مفردات وأفرادا، إنها لا تكون إلا أعيانا مجسدة، لكل منها تفصيلات تدخل في قوامه من صفات وعلاقات، لا تتكرر في سواه، فهذه الصخرة الملقاة على رمل الشاطئ، لها من شكلها وتركيبها وموقعها وزمن وجودها وأبعادها من البحر ومن التل ومن الصخرات الأخرى، ما يجعلها متفردة بوجودها وتاريخها دون كائنات الدنيا بأسرها.
إن هذا التمايز بين الأفراد يسير إدراكه في أفراد الإنسان؛ لأننا نحرص على أن يكون لكل فرد منهم اسمه الخاص؛ لما لهؤلاء الأفراد في حياتنا من مكانة ممتازة، فإذا ما أحللنا من أنفسنا بعض أفراد الحيوان أو بعض مفردات الأشياء مثل هذه المكانة أو ما يقرب منها، وجدتنا حريصين كذلك أن نميزها بأسماء تجعلها بارزة بسماتها بين أفراد نوعها، كما يفعل نفر من الناس لكلابهم أو لجيادهم أو لما ينتقونه من نوادر الأشياء كالتحف الأثرية وغيرها.
أما حين لا تكون لنا بهذه الكائنات علاقة خاصة حميمة، فإننا عندئذ نغض النظر عن خصائص أفرادها التي تميز كل فرد على حدة، ونكتفي بجمعها أنواعا أنواعا، فنهتم بما يميز النوع دون ما يخصص كل فرد من أفراده، وها هنا يتشابه البقر وتتشابه القطط بل ويتشابه الآدميون أنفسهم عند من يتخذ منهم موضوعا لبحث علمي، أو من يجعل منهم هدفا لقنابله أثناء القتال.
عندئذ يتجرد الأفراد من مميزاتهم التي تجعلهم أفرادا، ولا يبقى منهم إلا صورة ذهنية كلية كل فحواها مضمونات عامة تصدق على جميع الأفراد على السواء، بمقدار ما تكذب في تصويرها لفردية الأفراد، نعم إنه لا غنى لنا عن هذه الصور المجردة في عملية التفكير العقلي، شريطة أن يكون في مقدورنا دائما أن نرد كل صورة منها إلى الأفراد الذين يندرجون تحتها، لكننا قد نبلغ من التجريد درجة يتعذر معها أن تجد العلاقة واضحة بين الصورة المجردة وما ينضوي تحتها من مفردات مجسدة، كما يحدث في كثير من حالات الرياضة، وفي مثل هذه الحالة الموغلة في التجريد، يصبح وقوعنا في الخطأ أقرب إلينا من حبل الوريد.
Halaman tidak diketahui