وسأله سائل: هل يجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها، فلا تشغلها بالملاهي بلاهي.
وقال في قول فرعون: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١]، قال: افتخر بنهر ما أجراه، ما أجراه! وسئل يومًا: ما تقول في الغناء؟ فقال: أقسم بالله لهوَ لهوٌ.
وقال يومًا: ما عز يوسف إلا بترك ما ذلَّ به ما عِز. وقرىء بين يديه يومًا: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] فقال: هذا والله! توقيع بخراب البيوت.
وقال يومًا في مناجاته: إلهي! لا تعذب لسانًا يُخبر عنك، ولا عينًا تنظر في علوم تدل على مناجاتك، ولا قدمًا تمشي إلى خدمتك، ولا يدًا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلْني النار، فقد علم أهلُها أني كنت أذبُّ عن دينك، وارحمْ عبرةً تترقرق على ما فاتها منك، وكبدًا تحترق على بعدِها منك، إلهي! علمي بفضلك يطمعني فيك، ويقيني بسطوتك لا يؤيسني منك، كلما رفعت ستر الشوق إليك، مسكه الحياء منك، إلهي! لك أَذِلُّ، وبك أُذِل، وعليك أدل، وأنشد:
أَحْيا بذكرك ساعةً وأموتُ ... لولا التعلُّلُ بالمُنى لَفَنيتُ
وله أشعار حسنة كثيرة. قال أبو شامة: قيل: إنها عشر مجلدات، قال: وأنشدنا لنفسه:
سلامٌ على الدار التي لا تزورُها ... على أن هذا القلبَ فيها أسيرُها
إذا ما ذكرنا طِيبَ أيامِنا بها ... تَوقَّدُ في نفس الذكور سعيرُها
رحلْنا وفي سرِّ الفؤاد ضمائرٌ ... إذا هبَّ نجديُّ الصَّبا يستثيرُها
محتْ بعدكم تلك العيونُ دموعَها ... فهل من عيون بعدَها نستعيرُها
أتنسى رياض الروض بعدَ فراقها ... وقد أخذ الميثاقَ منك غديرُها
يجعّده مرُّ الشّمال وتارةً ... يُغازله كرُّ الصَّبا ومرورُها
ألا هل إلى شَمِّ الخُزامى وعَرْعَرٍ ... وشيح بوادي الأثلِ أرضٌ نزورُها
ألا أيّها الركبُ العراقيُّ بَلِّغوا ... رسالةَ محزون حَوَتْه سطورُها
1 / 58