فتكلمت، وكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف، أو خمسة عشر ألفًا، قال: وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون، فأعانني الله سبحانه عليهم، وكانت كلمتنا هي العليا.
قال ابن رجب: وكان الشيخ يُظهر في مجالسه مدحَ السنة، والإمام أحمد وأصحابه، ويذمُّ من خالفهم، قال يومًا على المنبر: أهلُ البدع تقول: ما في السماء أحد، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.
وقيل له مرة: قَلِّلْ من ذكر أهل البدع مخافة الفتن، فأنشد، شعر:
أَتوبُ إليك يا رحمنُ مِمَّا ... جنيتُ فقد تعاظَمَتِ الذنوبُ
وأما مِنْ هَوى ليلى وتركي ... زيارَتَها فإني لا أتوبُ
وقال له قائل: ما فيك عيب إلا أنك حنبلي، فأنشد:
وعَيَّرَني الواشونَ أني أُحبُّها ... وتلكَ شكاةٌ ظاهر عنك عارُها
ثم قال: هذا عيبي، ولا عيبَ في وجه نقط صفحته بالخال، وأنشد:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفَهم ... بِهِنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائبِ
وكتب إليه رجل في رقعة: والله ما أستطيع أراك، فقال: أعمش وشمس! كيف يراها؟! ثم قال: إذا خلوتُ في البيت، غرستُ الدر في أرض القراطيس، وإذا جلست للناس، دفعت بدرياق العلم سموم الهوى، أحميكم عن طعام البدع، وتأبون إلا التخليط، والطبيب مبغوض.
قال: وانتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر إلى أن تم، فسجدت على المنبر سجدة الشكر، وقلت: ما عرفت أن واعظًا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن، ثم ابتدأت يومئذ في ختمة، أفسرها على الترتيب، واللَّه قادر على الإنعام والإتمام، والزيادة من فضله.
وكانت الخلفاء والسلاطين يحضرون مجالس وعظي، وأما سائر الناس، فلا تسأل عنهم؛ فقد حُزر الجمع بمئة ألف وزيادة، وتاب خلق كثير، قال: وتقدم الخليفة بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد، وفي رأسه مكتوب: هذا قبر تاج
1 / 53