أراد الملك أن يجبر الوزارة على دخول الحرب بغير أي استعداد، وعرض الأمر على مجلس الوزراء، وانقسم الرأي ، وكان رأي حلمي أن نسأل وزير الدفاع، وكان وزير الدفاع من أتباع الملك فإذا هو يقول وهو يعلم أنه كاذب: إن هذه الحرب نزهة حربية للجيش المصري، وأنه يستطيع أن يقضي على القوات الإسرائيلية فيما لا يزيد عن أسبوعين.
وحينئذ قال حلمي: ما دام الأمر كذلك فإن الجيش المصري لن يجد فرصة مثل هذه ليمحو عن نفسه ذلك الاسم المقيت من أنه جيش المحمل الذي لا عمل له إلا الخروج في الاستعراضات ليكون أشبه شيء بعارضات الأزياء. ومصر عليها أن تواجه قدرها الذي ألقاه التاريخ على كاهلها، فهي زعيمة العالم العربي والإسلامي، ومصر يجب أن تجعل المحتل يحس أنه غير آمن في احتلاله، ولعله يعجل بالرحيل بعد أن انتهت المفاوضات الأخيرة بالفشل، شأنها شأن كل المفاوضات السابقة عليها.
ورفعت الجلسة دون أخذ الرأي، فإذا حلمي يقدم استقالته إلى رئيس الوزراء، ويطلب إليه رئيس الوزراء أن يؤجلها إلى فترة قصيرة، ويقول حلمي: أنا أعلم أن الوزير عليه أن يخضع لرأي الأغلبية في مجلس الوزراء، ولكني أعلم أيضا أن موضوع الخلاف إذا كان من الخطورة بهذا المكان، فإن ضميري يحتم علي أن أقدم استقالتي لأنني مصمم على رأيي، وأرى أن بقائي في الوزارة يعد خيانة مني للوطن ولنفسي.
ويقول رئيس الوزراء: إنك محق فيما تقول، ولكن لا تنس أن مجلس الوزراء لم يقل رأيه بعد، فأبق عليك استقالتك حتى يصدر المجلس قراره، فإن كان مخالفا لرأيك أصبح من حقك أن تقدم استقالتك، وأصبح من واجبي أن أقبلها.
وانتظر حلمي وقطع الشعب المصري الطريق على أي رأي؛ فقد تطوعت الألوف من الشباب، بل تطوع أيضا الكثيرون من رجال الجيش، ووجدت الحكومة نفسها مرغمة أن تعلن الحرب حتى تستطيع أن تقدم لهم السلاح علانية، وقامت الحرب واكتسح الجيش المصري أعداءه، ولكن الإمبراطورية البريطانية أدركت أنها لو أتاحت هذا النصر لمصر فمصيرها في مصر أصبح مقضيا عليه، وهي في الوقت نفسه كانت تريد لدولة إسرائيل أن تقوم لتكون قاعدة لها في المنطقة إذا اضطرتها الظروف أن تجلو عن البلاد التي تحتلها، وكانت تدرك في نفس الوقت أن شمسها تنحسر عن العالم، وأن شمس الإمبراطورية الأمريكية الجديدة تطفئ أضواءها، فكان من الطبيعي أن تحاول لندن وهي تلملم ثيابها من الشرق أن تغرس فيه هذه الشوكة لتستعملها عند الحاجة إليها.
وتتابعت الأحداث ...
الفصل الثاني عشر
أين صديقي الذي حدثتك عنه عندما بدأت هذه الرواية؟ ألا ترى معي أنه تأخر كثيرا عن الظهور. لا علي ولا عليك ولا عليه، فما كان صديقي حتى الآن ذا مكان في الحياة حتى يمثل مكانا في هذه الرواية. وأنت على كل حال قد تعرفت عليه، ولكنك لم تلتفت إلى أمره ولا عنيت به، فهكذا أنت أيها القارئ تريد من الروائي أن يضع لك كل شخصية في إطار، ويلح عليك أن تتعرف بها، والروائي عادة لا يفعل ذلك إلا إذا كان يحتاج إلى هذه الشخصية، وهو أيضا لا يفعل ذلك إلا حين يرى أن الموقف قد حان لشخصيته أن تظهر. وقد ألمحت لك عن عدلي قبل الآن، متى كان ذلك؟ عليك أنت أن تتذكر. إن عدلي هو الابن الوحيد الذي أنجبه حلمي الذي أصبح حلمي باشا، وقد كان عدلي يحبو في حنايا السنين ليتعلم، وحين تعرف حامد وحسن الصحفيان إلى أبيه الباشا كانت سنه تقارب سنهما؛ فلم يكن غريبا أن يسعى كل منهما إلى التعرف إليه وتوثيق هذه المعرفة، وكان عدلي من ذلك النوع من الناس الذين يحبون أن يعرفوا الناس، وينزلوا كل إنسان في منزلته. وأدرك حامد أن عدلي لا يمكن أن يكون متفقا معه في الرأي، فهو من الفئة التي لا تحقد، وإنما يحقد عليها الحاقدون، فعمل جهده أن يجعل الجانب الذي يبدو لعدلي منه مناقضا تماما لوجهه الحقيقي، واستطاع في نفس الوقت أن يجتذب عدلي إليه بما قرأ من كتب في الفلسفة والسياسة والتاريخ. أما حسن فقد علم أن عدلي لا يحتاج إلى فتيات المواخير، وهو في نفس الوقت لا يحب أن تكون هذه الصفة معروفة عنه في بيت حلمي ، ولكنه استطاع أن يجتذب عدلي بحديثه المنمق وبنفاقه ويسكب المديح من غير تحفظ على والده حلمي باشا.
وقد أثمرت هذه الصداقة منفعة لحامد وحسن على السواء.
أما حامد فقد كان يريد أن يسافر إلى الخارج بأي وسيلة من الوسائل، وقد أدرك أن حفني لا يستطيع أن يكون شفيعا له عند فايز ليأمر له برحلة إلى العالم الخارجي ليرى ما لا يستطيع أن يراه بماله الخاص.
Halaman tidak diketahui