قال هارلاند ناعقا: «مرحبا يا فلسيوس.»
نهض الرجل البدين مبغوتا. «يا إلهي، أليس هذا السيد هارلاند؟» «جو هارلاند بنفسه يا فلسيوس ... ولكن في حال سيئة بعض الشيء.» ماتت ضحكة مكتومة في حلقه. «حسنا سأكون ... اجلس يا سيد هارلاند.» «شكرا يا فلسيوس ... إنني مفلس ومشرد يا فلسيوس.» «لا بد أنها قد فاتت خمس سنوات منذ رأيتك آخر مرة يا سيد هارلاند.» «لقد كانت بالنسبة إلي خمس سنوات بغيضة ... أعتقد أن الأمر كله يعتمد على الحظ. لن يتبدل حظي على هذه الأرض مرة أخرى. أتتذكر عندما كنت أعود من البورصة بعد أن أقضي يومي في المضاربة، وكنت أحدث جلبة في أنحاء المكتب؟ وقد أعطيت العاملين بالمكتب مكافأة جيدة للغاية في الكريسماس ذلك العام.» «لقد كانت كذلك بالفعل يا سيد هارلاند.» «لا بد أنها حياة مملة أن تصبح صاحب متجر بعد أن كنت تضارب في وول ستريت.» «إنها أقرب لذائقتي يا سيد هارلاند؛ فليس ثمة من مدير علي هنا.» «وكيف حال زوجتك وأبنائك؟» «بخير، بخير؛ ولدي الأكبر تخرج لتوه في المدرسة الثانوية.» «أذلك الذي أسميته على اسمي؟»
أومأ فلسيوس. كانت أصابعه البدينة كالنقانق تنقر في غير هوادة حافة المنضدة. «أتذكر أنني عزمت أن أفعل شيئا لهذا الولد في يوم ما. يا له من عالم غريب!» أطلق هارلاند ضحكة واهنة. شعر بعتمة مرتجفة تتسلل لأعلى خلف رأسه. أمسك ركبته بإحكام بكلتا يديه وشد عضلات ذراعيه. «أترى يا فلسيوس، هذه هي الحال ... وجدت نفسي الآن في موقف شديد الإحراج ماليا ... وأنت تعلم كيف تكون تلك الأمور.» كان فلسيوس يحدق مباشرة أمامه في المنضدة. وكانت قطرات العرق تنهمر من رأسه الأصلع كالخرز. «نمر جميعا بفترات من الحظ السيئ، أليس كذلك؟ أريد قرضا صغيرا للغاية لبضعة أيام، بعض دولارات ليس إلا، لنقل 25 حتى أتدبر بعض الأمور ...» «لا يمكنني القيام بذلك يا سيد هارلاند.» نهض فلسيوس. «معذرة ولكن المبادئ لا تتجزأ ... لم أقترض أو أقرض سنتا واحدا في حياتي. أثق أنك تستوعب ذلك ...» «حسنا، لا تقل شيئا أكثر من ذلك.» نهض هارلاند خانعا. تمتم ناظرا لأسفل إلى حذائه المتصدع: «أعطني ربع دولار ... لم أعد شابا كما كنت، ولم أتناول شيئا منذ يومين.» مد يده ليثبت نفسه بالمنضدة.
رجع فلسيوس للخلف إلى الجدار كما لو كان يتجنب صفعة. مد يده بقطعة بخمسين سنتا على أصابع سميكة مرتجفة. أخذها هارلاند، واستدار دون أن ينبس وشق طريقه بصعوبة في المتجر. سحب فلسيوس من جيبه منديلا بنفسجي الحواف، ومسح جبهته ثم رجع إلى خطاباته مرة أخرى.
لقد أقدمنا على لفت الانتباه في المجال إلى أربعة منتجات فاخرة جديدة من منتجات مولين التي شعرنا بعظيم الثقة في توصية عملائنا بها، بوصفها تشكل مبادرة جديدة وفريدة تماما في فن صناعة الورق ... •••
خرجا من دار السينما تطرف أعينهما في بقع الوهج الكهربائي البراق. شاهدته كاسي وهو ينهض مباعدا بين قدميه، وبعينين منهمكتين يشعل سيجارا. كان ماكافوي رجلا مكتنزا ذا عنق لحيم، وكان يرتدي معطفا بزر واحد، وصدرية ذات نقشة مربعة، ووضع دبوسا على شكل رأس كلب في ربطة عنقه المقصبة.
كان يهدر قائلا: «كان ذلك عرضا سيئا أو إنني لا أفهم شيئا.» «ولكني أحببت أفلام السفر يا موريس؛ فعندما رقص هؤلاء الفلاحون السويسريون شعرت أنني هناك.» «الطقس حار جدا هنا ... أرغب في شراب.»
أنت قائلة: «لقد وعدتني يا موريس.» «أوه، كل ما كنت أقصده هو ماء الصودا، لا تغضبي.» «أوه، ذلك سيكون رائعا. أحب الصودا.» «ثم سنذهب للتنزه في سنترال بارك.»
تركت رموشها تهبط فوق عينيها، وهمست دون النظر إليه: «حسنا يا موريس.» وضعت يدها بارتجاف بعض الشيء في ذراعه. «فقط لو لم أكن مفلسا تماما.» «لا يهمني يا موريس.» «بل يهمني أنا.»
دخلا إلى إحدى الصيدليات في دوار كولومبوس. كانت الفتيات في الفساتين الصيفية الخضراء، والبنفسجية، والوردية، والشباب في القبعات القشية ينتظرون في ثلاثة صفوف أمام ماكينة الصودا. وقفت في الخلف وشاهدته بإعجاب وهو يشق طريقه عبرهم. كان هناك رجل يميل فوق طاولة خلفها متحدثا إلى فتاة، وكانت حافتا قبعتيهما تخفيان وجهيهما. «قلت له أن يكف عن ذلك الهراء ثم استقلت.» «تعني أنك رفدت.» «لا، صدقا لقد استقلت قبل أن تتسنى له الفرصة ... إنه كريه، أتعلمين؟ لم أستطع تحمل كذبه أكثر من ذلك. عندما كنت أسير خارجا من المكتب نادى علي ... دعني أقل لك شيئا أيها الشاب. لن تحقق شيئا حتى تتعلم من هو الزعيم في هذه المدينة، حتى تتعلم أنه ليس أنت.»
Halaman tidak diketahui