Di Bawah Panji Al-Quran
تحت راية القرآن
Penerbit
المكتبة العصرية-صيدا
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Akidah dan Kepercayaan
وتحرر؛ وما دامت الأهواء مقيدة في حدودها فليس في العقل إلا محض الخير.
فإذا تركا جميعًا لغاياتهما طمَّ شيء على شيء ورجعت الحياة صراعًا حيوانيًا.
واحتالت العقول لتغيير الوضع الإنساني، وتواضع الناس على الأخلاق البهيمية الفاسدة يدخلونها في آدابهم فلا ينكرونها ولا يردونها ولا يرون الأدب يكون بغيرها أدبًا.
فالحضارة الغربية أطلقت العقول تجدُّ وتبتاع، أطلقت من ورائها الأهواء
تلذ وتستمتع وتشتهي، فضرب الخير بالشر ضربة لم تَقتل ولكنها تركت الآثار التي هي سبب القتل، إذ لا تزال تمد مدها حتى تنتهي إلى غايتها، وذلك هو السر في أنه كلما تقادمت الأزمنة على هذه الحضارة ضج أهلها وأحسوا عللًا اجتماعية لم تكن فيهم من قبل.
ولو قد عمت الحضارة وتغشت أوروبا كلها
فلم يبق في تلك الأرض سواد ريفي أقربُ إلى الطبيعة وأشكلُ بها ولا يزال في
الحياة على إرثه القديم كالسواد الأعظم الذي يعمر قراها ويملأ صميمها في كل مملكة منها - لرأيت أفظع ما ترى العينُ من بلاد متعادية متنابذة، لما يتنازع أهلَها من طلب المنافع الشخصية والتكالب عليها والاستهتار بالشهوات والتناحرِ على تكاليف حياتهم الثقيلة المملولة المستوخمة.
بيد أن ريف أوروبا وقراها وما فيها من نزعة الدين ومن معاني الطبيعة البيعدة عن الحضارة ومن الأخلاق السوية الصحيحة التي لم تُزِغها المدنية - كل ذلك هو الذي يمسك هذه القارة
أن تنهار ويحفظها أن تتحلل، وهو كالبداوة المحضة بإزاء الحضارة في معانيها
المستهلكة، فهو بذلك مادة التجديد الإنساني في أوروبا، على حين أن هذه
المدنية هي مادة التجديد الحيواني بما تصرف إليه الحواس من المتاع واللذة.
والحواس رُوْاد القلب فما أدت إليه أصلحه أو أفسده؛ ولقد قرأت في هذه الأيام رواية يقال إن كاتبها نادرة أوروبا، فما فرغت منها إلا وأنا أعتقد أن كاتب أوروبا هذا هو حيوان أوروبا. . . إن العقول الناضجة المميزة لا تَهَبُ منها الحكمة الإلهية بقدر ما تَهَبُ من الأهواء ولا بعض ذلك، بل هي من قسط من الأفراد الذين لا يبلغون فصلًا في الكتاب الإنساني الكبير.
أما الشهوات فهي للجنس كله؛ إذ هي غايات طبيعية في تركيب الأجسام؛ ولذا قامت الأديان على سنة حكيمة كافلة للمصلحة، وهي إبعاد الشهوات عن المجتمع وإباحة القليل منها بشروط وقيود، واعتبار درء المفسدة مقدمًا على جلب المصلحة، وذلك وإن لم يُؤتِ الناس عقلًا فإن العقل لا يؤتيهم غيره في آداب الحياة، ولكن الحضارة قامت على إطلاق العقل والهوى، فاستباحت الدينَ فى طوائف من
1 / 275