مشروع للمناقشة
المهمة
تحت المظلة
تحت المظلة
تأليف
نجيب محفوظ
كتبت هذه القصص في الفترة بين أكتوبر وديسمبر 1967.
تحت المظلة
انعقد السحاب، وتكاثف كليل هابط، ثم تساقط الرذاذ، اجتاح الطريق هواء بارد مفعما بشذا الرطوبة، حث المارة خطاهم غير نفر تجمعوا تحت مظلة المحطة، وأوشكت الرتابة أن تجمد المنظر لولا أن اندفع رجل؛ اندفع راكضا كالمجنون من شارع جانبي، واختفى في شارع آخر على الجانب الآخر، تبعه على الأثر جماعة من الرجال والغلمان وهم يتصايحون: «لص ... أمسكوا اللص!» وما لبثت الضجة أن خفت رويدا حتى ماتت وتتابع الرذاذ، وخلا الطريق أو كاد، أما المتجمعون تحت المظلة فبعضهم ينتظر الباص والبعض لاذ بها خوف البلل. وبعثت ضجة المطاردة مرة أخرى، وتدانت في اشتداد وتضخم، ثم ظهر المطاردون وهم يقبضون على اللص، ومن حولهم الغلمان تهلل بأصوات رفيعة حادة. وعند عرض الطريق في المنتصف حاول اللص الإفلات؛ فأمسكوا به وانهالوا عليه صفعا ولكما، فمن شدة الضرب قاوم وضرب كيفما اتفق. وشدت أعين الواقفين تحت المظلة إلى المعركة. - يا لها من ضربات قاسية عنيفة! - ستقع جريمة أشد من السرقة. - انظروا .. الشرطي واقف في مدخل عمارة يتفرج. - بل أدار وجهه إلى الناحية الأخرى.
واشتد الرذاذ؛ فتواصل أسلاكا فضية برهة ثم انهمر المطر، خلا الطريق إلا من المتعاركين والواقفين تحت المظلة، نال الإعياء من الرجال فكفوا عن تبادل الضربات، ولكنهم أحاطوا باللص، وتبادلوا كلمات غير مسموعة معه وهم يلهثون. ثم انغمسوا في مناقشة هامة، لم يميزها أحد، دون مبالاة بالمطر. التصقت الملابس بأجسادهم، ولكنهم واصلوا النقاش بإصرار وبلا أدنى اكتراث بالمطر. ووشت حركات اللص بحرارة دفاعه ولكن لم يصدقه أحد. ولوح بذراعيه فكأنما يخطب، ولكن ضاع صوته في البعد وانهلال المطر. إنه بلا شك يخطب، وها هم يصغون إليه، تطلعوا إليه خرسا تحت المطر، وظلت أعين الواقفين تحت المظلة مشدودة إليهم. - كيف أن الشرطي لا يتحرك؟!
Halaman tidak diketahui