فصل
ولما كان كتاب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِستاني ﵀ من الإسلام بالموضع الذي خصَّه الله به، بحيث صار حَكَمًا بين أهل الإسلام، وفصلًا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحقّون (^١)؛ فإنه جَمَع شمل أحاديث الأحكام، ورتَّبها أحسن ترتيب، ونَظَمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطّراحه منها أحاديثَ المجروحين والضعفاء.
وكان الإمام العلامة الحافظ: زكيُّ الدين أبو محمد عبد العظيم المُنذريّ رحمه الله تعالى قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه، وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لم يكد يدع للإحسان موضعًا، وسَبَق حتى جاء مَن خَلْفه له تبعًا= جعلتُ (^٢) كتابَه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرة ليوم المعاد.
فهذَّبتُه نحو ما هذَّب هو به الأصل، وزدْتُ عليه من الكلام على عللٍ سكت عنها أو لم يكملها (^٣)، والتعرُّضِ إلى تصحيح أحاديثَ لم يصححها، والكلامِ على متون مشكلة لم يفتَحْ مقفَلَها، وزيادةِ أحاديثَ صالحةٍ في الباب لم يشر إليها، وبَسْطِ الكلام على مواضع جليلة لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتاب سواه، فهي جديرة بأن تُثْنى عليها الخناصر، ويُعَضّ عليها بالنواجذ.
_________
(^١) كذا في الأصل و(هـ)، وفي ط. الفقي: "المحققون".
(^٢) كتب في الأصل تحت هذه الكلمة بخط أصغر "جواب لما". يعني التي في أول الفصل.
(^٣) قرأها في ش: "يحملها" ولم يصب.
1 / 6