305

وما أشبه ذلك، أعيد الحجاج عليهم، عن أبي علي، كأنه يشير إلى اختلاف الأحوال والأوقات، ولا يعد تكرارا، وقيل: لما عد فضائح اليهود أعاد ذكر رفع الجبل، وقولهم: (سمعنا وعصينا)، وقيل: ذكر الأول للاعتبار بأخبار من مضى، والثاني الاحتجاج عليهم خذوا ما آتيناكم أي أعطيناكم، قيل: التوراة، وقيل: الشرائع بقوة قيل: بجد واجتهاد، وقيل: بقدرة، أي وأنتم قادرون على أخذه واسمعوا قيل: اقبلوا ما سمعتم، كقوله: سمع الله لمن حمده، أي قبل. قال الراجز: السمع والطاعة والتسليم ... خير وأعفى لبني تميم يعني قبول ما تسمع والطاعة لما تؤمر، وقيل: اسمعوا ما يتلى عليكم، أي اسمعوا لتسمعوا، وهذا اللفظ يحتمل الاستماع والقبول، ولا تنافي بينهما فيحمل عليهما فيصير كأنه قيل: استمعوا لتسمعوا، ثم أقبلوا وأطيعوا يدل عليه أنه قال في الجواب: سمعنا وعصينا فيه قولان: الأول: أنه كان منهم قول في الحقيقة قالوه استهزاء: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وذلك كفر.

الثاني: حالهم كحال من قال ذلك حيث سمعوا وقابلوا بالعصيان.

ومتى قيل: قالوا كناية عمن؟

قلنا: قيل: هم اليهود الذين كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا ذلك له، ثم رجع إلى حديث أوائلهم، فقال وأشربوا، عن الحسن، وقيل: هم الذين كانوا في زمن موسى (عليه السلام) ردوا عليه، وقالوا: سمعنا وعصينا، عن أبي علي، وهو الوجه؛ لأنه تبيين الكلام. وأشربوا في قلوبهم العجل قيل: حب العجل، عن قتادة وأكثر أهل العلم، وقال السدي: لما رجع موسى إلى قومه أخذ العجل وحرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم، فلم يبق بحر يومئذ إلا وقع فيه شيء منه، ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب، فلذلك قوله: وأشربوا في قلوبهم العجل وروي نحوه عن ابن جريج، والأول الوجه لذكره القلوب، ولأنه لا يقال: أشرب من سقى الشفة، ولأنه أظهر، وعليه أكثر العلماء، فأما معنى وأشربوا قيل: أدخل قلوبهم حبه، كإشراب اللون لشدة الملازمة، وقيل: لما داموا على عبادة العجل قيل: أشربوا لأن الشرب مادة الزرع، فلما أمروا بعبادة العجل قيل: أشربوا.

ويقال: من أشرب ذلك قلوبهم؟

قلنا: لم يرد أن غيرهم فعل ذلك بهم، ولكن لفرط ولوعهم به، وإلفهم لعبادته، أشربوا في قلوبهم حبه، فألزموا ذكره ومحبته، فذكر على ما لم يسم فاعله، كما يقال: فلان معجب بنفسه، وقيل: أشركه من زينه عندهم ودعا إليه، كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى فعل ذلك؛ لأنه ذمهم بذلك ووبخهم، ولو كان ذلك فعله لما صح ذلك، ولأن تزيين عبادة الصنم قبيح، وقد نهى عنه، وأوعد عليه، ولا يجوز أن يفعله؛ ولأنه لو جاز أن يفعل ذلك بنفسه جاز أن يبعث رسولا يدعو إليه، وهذا فاسد، بكفرهم يعني لاعتقادهم التشبيه وجهلهم بالله، وتجويزهم العبادة لغير الله أشربوا في قلوبهم حب العجل؛ لأنهم

Halaman 496