فلذا أوجب الله على المسلمين اتباع الرسول ﷺ فيما يأمر وينهى، فقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (١)، أي: ما أعطاكم الرسول ﷺ من الفيء فخذوه لكم حلال، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، واتقوا الله في أمر الفيء، إن الله شديد العقاب على ما نهاكم عنه الرسول. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدلّ عليه السياق.
ولكن الآية عامّة في كل شيء يأتي به رسول الله ﷺ من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصًا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إيّاه وأوصله إلينا.
فهذه الآية الكريمة نصٌ صريح في أن كل ما أتانا به رسول الله ﷺ وبلغه إلينا من الأوامر وغيرها، سواء كانت مذكورة في الكتاب، أي: القرآن المجيد، أو السنة، أي: كل ما صحّ رفعه إلى النبي ﷺ، واجب علينا قبوله، وكذا كل ما نهانا عنه من المنهيات والمنكرات المبينة في الكتاب أو السنة، واجب علينا اجتنابه والانتهاء عنه (٢).
وعن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات (٣)، والنامصات والمتنمصات (٤)، والمتفلجات (٥) للحسن المغيرات خلق الله، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد
_________
(١) الحشر: (٧).
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٨/ ١٧ - ١٩).
(٣) الواشمة: فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة.
(٤) هي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة: التي تطلب فعل ذلك بها.
(٥) المتفلجات: هن اللواتي يعالجن أسنانهن بعد ما شرعن في السن حتى يكون لها تحدد ورقة وأشر فيشبهن بالشواب.
1 / 7