[120] قال ابو حامد فان قيل الاول لا يعقل الا ذاته وعقله ذاته هو عين ذاته فالعقل والعاقل والمعقول واحد ولا يعقل غيره فالجواب من وجهين احدهما ان هذا المذهب لشناعته هجره ابن سينا وسائر المحققين وزعموا ان الاول يعقل نفسه مبدأ لفيضان ما يفيض منه ويعقل الموجودات كلها بانواعها عقلا كليا لا جزئيا اذ استقبحوا قول القائل المبدأ الاول لا يصدر منه الا عقل واحد ثم لا يعقل ما يصدر منه ومعلوله عقل ويفيض منه عقل ونفس فلك وجرم فلك ويعقل نفسه ومعلولاته الثلاث وعلته ومبدأه لا يعقل الا نفسه فيكون المعلول اشرف من العلة من حيث ان العلة ما فاض منها الا واحد وقد فاض من هذا ثلاثة أمور والاول ما عقل الا نفسه وهذا عقل نفسه ونفس المبدأ ونفس المعلولات ومن قنع ان يكون قوله فى الله سبحانه راجعا الى هذه الرتبة فقد جعله احقر من كل موجود يعقل نفسه ويعقله فان ما يعقله ويعقل نفسه أشرف منزلة منه اذ كان هو لا يعقل الا نفسه وقد انتهى منهم التعمق فى التعظيم الى ان أبطلوا كل ما يفهم من العظمة وقربوا حاله تعالى من حال الميت الذى لا خبر له بما يجرى فى العالم الا انه فارق الميت فى شعوره بنفسه فقط . وهكذا يفعل الله بالزائغين عن سبيله والناكبين لطريق الهدى المنكرين لقوله ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم الظانين بالله ظن السوء المعتقدين ان الامور الربوبية يستولى على كنهها القوى البشرية المغرورين بعقولهم زاعمين ان فيها مندوحة عن تقليد الرسل واتباعهم فلا جرم اضطروا فى الاعتراف بان لباب معقولاتهم رجعت الى ما لو حكى فى منام لتعجب منه
[121] قلت انه ينبغى للذى يريد ان يخوض فى هذه الاشياء ان يعلم ان كثيرا من الامور التى تثبت فى العلوم النظرية اذا عرضت على بادئ الرأى والى ما يعقله الجمهور من ذلك كانت بالاضافة اليهم شبيها بما يدرك النائم فى نومه كما قال وان كثيرا من هذه ليس تلفى لها مقدمات من نوع المقدمات التى هى معقولة عند الجمهور يقنعون بها فى أمثال هذه المعانى بل لا سبيل الى أن يقع بها لاحد اقناع وانما سبيلها أن يحصل بها اليقين لمن يسلك فى معرفتها سبيل اليقين . مثال ذلك انه لو قيل للجمهور ولمن هو ارفع رتبة فى الكلام منهم ان الشمس التى تظهر للعين فى قدر قدم هى نحو من مائة وسبعين ضعفا من الارض لقالوا هذا من المستحيل ولكان من يتخيل ذلك عندهم كالنائم ولعسر علينا اقناعهم فى هذا المعنى بمقدمات يقع لهم التصديق بها من قرب فى زمان يسير بل لا سبيل ان يتحصل مثل هذا العلم الا بطريق البرهان لمن سلك طريق البرهان .
Halaman 207