لما كان مبنى المجاز على العلاقة أورد هذا الفصل لبيانها { وإذا أردت بلفظ غير ما وضع له فالمعنى الحقيقي إن حصل له بالفعل قبل زمان اعتبار الحكم } وهو زمان وقوع النسبة في الخبر وقس عليه حال الإنشاء { فمجاز باعتبار ما كان أو بعده فمجاز باعتبار ما يؤل } لا بد من اعتبار الحصول بالفعل فيه أيضا فرقا بينه وبين المجاز بالقوة والاكتفاء فيه بتوهم الحصول بناء على عدم اعتبار المجاز بالقوة فسما آخر { أو بالقوة فمجاز بالقوة كالمكر لخمرار يقت } وكالخمر العصير أريق { وإن لم يحصل له أصلا } أي لا بالفعل ولا بالقوة { فلا بد من علاقة } بين المعنى الحقيقي والمجازي لم يقل من ملازمة لأنها غير لازمة بل المناسبة أيضا غير لازمة لذلك يطلق أحد الضدين على الآخر مجازا { بل ينتقل الذهن في الجملة من الوضعي إليه وهي } أي تلك العلاقة { إما ذهنية محضة } بأن لا يكون بنهما تعلق ومناسبة إلا في اعتبار الذهن { كما في إطلاق البصير على الأعمى } هذا إذا لم يقصد به الاستعارة التمليحية أو التهكمية وأما قصد المشاكلة فلا ينافيه لأنها من قسم المجاز المرسل وكذا التفائل وهذا ظاهر { أو خارجية وح أما أن يكون أحدهما جزء الآخر كما في إطلاق اسم الكل على الجزء كالجمع للواحد أو بالعكس كالرقة للعبد أولا } أي لا يكون واحد منهما جزء الآخر وح { أما أن لا يكون المجازي صفة للحقيقي فالعلاقة إما المحلية كما في إطلاق اسم المحل على الحال أو بالعكس وإطلاق الغائط على قضاء الحاجة من القسم الأول } غايته أن المحلية باعتبار العادة فإنه لما كان المعهود المتعارف قضاء الحاجة في المكان المطمئن حصل بينهما علاقة عرفية فينا ، وعلى هذا ينتقل الذهن من الغائط إلى قضاء الحاجة { وأما السببية كما في إطلاق اسم البب على المسبب نحو رعينا الغيث أي النبت والعكس كقوله تعالى { وينزل لكم من السماء رزقا لكم } أي مطرا وأما الشرطية كما في إطلاق اسم الشرط على المشروط كقوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلواتكم وبالعكس كإطلاق العلم على المعلوم أو يكون صفته وهو الاستعارة وشرطها أن يكون الوصف بينا كأسد يراد به لازمه وهو الشجاع فيطلق على زيد باعتبار أنه شجاع } ولما كان مبنى هذا الإطلاق على علاقة المشابهة بين زيد والأسد امتاز الاستعارة عن المجاز المرسل فتأمل { وإذا عرفت هذا أن مبنى المجاز على إطلاق اسم المزوم على الازم والملزوم أصل والازم فرع فإذا تحقق جهة الأصالة في الطرفين بالاعتبارين يجري المجاز من الطرفين كالعلة مع المعلول الذي هو علة غائية لها } لم يقل هنا كالسبب مع المسبب لأن منه ما هو سبب محض ليس في معنى العلة فلا يطلق المسبب عليه مجازا كما سيجيء { وكالجزء مع الكل فإن الجزء تبع للكل } في الحصول من اللفظ بمعنى أنه إنما يفهم من اسم الكل بواسطة إن فهم الكل موقوف على فهمه { والكل محتاج إليه } فتحقق جهة الأصالة في الجملة في كل منهما بالنسبة إلى الآخر إلا أن اطلاق اسم النكل على الجزء مطرد وعكسه غير مطرد حيث لا تطلق الرجل والقدم على الإنسان وأما بيان الضابط بأنه يجز في صورة يستتبع الجزء الكل كالرقة والرأس مثلا فإن الإنسان لا يوجد بدود واحد منهما ولا يجوز في صورة لا يستتبع الجزء الكل فمنقوض باليد فإنها من قبيل الثاني مع أنه يجوز إطلاقها على الكل كيف وقد وقع في قوله تعالى تبت يدا أبي لهم { وكالمحل } فإن فيه جهة أصالة لحاجة العكس موقوف عليه { كالماء والكوز } والمراد من الحلول ما يعم أنواع الحصول فيه { والاختصاص لاعتبار العلاقات المجازية المذكورة باللغة بل يوجد في الأسماء الشرعية أيضا كالاتصال في معنى المشروع كيف شرع } عبريه عن علاقة المشابهة لأنها اتفاق في الكيفية والصورة { يصلح علاقة للاستعارة } أي ينظر في التصرفات المشروعة كالبيع والإجارة وغيرهما أن هذه التصرفات على أي وجه شرع فالبيع عقد شرع لتمليك المال بالمال والإجارة لتمليك المنفعة بالمال فإذا حصل اشتراك التصرفين في هذا المعنى يصح استعارة أحدهما للآخر وكما يشترط الاستعارة في غير الشرعية اللزوم البين للتصرفات الشرعيةهو المعنى الخارج عن مفهومها الصادق عليها الذي يلزم في الجملة من تصورها تصوره { كالوصية والإرث } فإن كلا منهما استخلاف بعد الموت إذا حصل الفراغ من جوائج الميت كالتجهيز والدين { وكالسببية } عطف على قوله كالاتصال { كالنكاح ينعقد باللفظ الهبة لمالك الرقبة } أي لعقد وضعه لأجل ملك الرقبة { والنكاح لملك المتعة } أي لعقد وضعه لملك المتعة { ولذلك } أي ملك المتعة { سبب لهذا } أي لملك المتعة لأطلق ما وضع لا يتربت عليه السبب وهو عقد الهبة على ما يترتب عليه المسبب وهو عقد النكاح وهذا هو المراد من علاقة السببية ههنا { وهذا } أي انعقاد النكاح يلفظ الهبة { عند الشافعي من خواص النبي عليه السلام لقوله تعالى { خالصة لك } } وجه الاحتجاج أن اللفظ تابع للمعنى وقد خص النبي عليه السلام بالمعنى فيخص باللففظ فالجواب بأن الخلوص ليس في اللفظ بل في الحكم وهو عدم وجوب المهر أو عدم حل نكاحها للغير خارج عن سنن الصواب { قلنا دلالته على الانعقاد } أي انعقاد النكاح { بلا عوض بلفظ الهبة مخصوص به عم ولا نزاع فيه } إنما الكلام في انعقاد النكاح بعوض باللفظ المذكور في حق الأمة والنص ساكت عنه فبقي دليلنا سالما عن المعارض { ثم إنه قال لا ينعقد } أي النكاح { إلا بلفظ النكاح والتزويج لأنه عقد شرع لمصالح لا تحصى } كالنسب وعدم انقطاع النسل والاجتناب عن السفاح وتحصيل إلا حصان والائتلاف بينهما واستمداد كل منهما في المعيشة بالآخر إلى غير ذلك مما يطول تعداده { وغير هذين اللفظين قاصر عن الدلالة عليها } أي على المصالح المذكورة { وغير هذين اللفظين قاصر عن الدلالة عليها } أي على المصالح المذكورة { قلنا هي } أي تلك المصالح { ثمرات وفروع وإنما بني النكاح للملك له عليها } أي للزوج على الزوجة { ولذلك } أي ولكون وضع النكاح لملكه عليها لا للمصالح المشتركة { بينهما لزم المهر عليها عوضا عن ملك النكاح وكان الطلاق بيده خاصة } فإنه لو كان وضعه لأمر مشترك بينهما لما وجب المهر عليه ولما اختص الطلاق بجانبه { إذا صح بلفظ لا يدل على الملك لغتا } يعني لفظ النكاح والتزويج { فأولى أن يصح بلفظ يدل عليه } ولما استشعر أن يقال إذا لم يكن في لفظ النكاح والتزويج دلالة على الملك لغة ينبغي أن لا يصح النكاح بهما تداركه بقوله { وإنما يصح بهما لأن الشرع نقلهما إلى هذا العقد } فصارا بمنزلة العلمين له { والواجب في المنقول الشرعي رعاية المعنى اللغوي لا الاقتصار عليه } حتى لا يصح اعتبار الدلالة على الملك في معناه الشرعي { وكذا } أي كانعقاده بلفظ الهبة ينعقد بلفظ البيع لما ذكر } من علاقة السببية على الوجه المشروح فيما تقدم { وإنما لم يصح العكس } أي لم يثبت الهبة ولا البيع بلفظ النكاح { بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب لأن ذلك } أي صحة إطلاق اسم المسبب على السبب { عندما شرع السبب للمسبب } أي يكون الغاية لشرعية السبب ذلك المسبب { كالبيع للملك } فإن غاية شرعية البيع الملك { فإن قال } تفريع وتمثيل لما ذكر { إن ملكت عبدا فهو حر أو قال إن اشتريت فشراه متفرقا بحيث لم يجتمع الكل في ملكه بأن اشترى نصفه ثم باعه ثم اشترى النصف الآخر يعتق في الثاني } لأنه يقال عرفا أنه مشتري العبد { دون الأول } لأنه لا يوصف بملك العبد لغة ولا عرف ههنا { إلا إذا عنى بأحدهما الآخر فيقبل ديانة فيهما فينعكس الحكم } أي يعتق في الأول دون الثاني { وقضاء اسم المسبب على السبب الذي شرع له صدق ديانة وقضاء لأنه عنى ما فيه غلظه وإن عنى في الصورة الثانية بالشراء الملك بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب صدق ديانة لا قضاء لأنه أراد تخفيفا { أما إذا كان سببا محضيا } أي لا يكون مشروعا لمسببه كملك الرقبة فإن شرعيته ليست لملك المتعة وذلك يتحقق الأول بدون الثاني في العبد والأخت من الرضاع { فلا ينعكس } أي لا يصح اطلاق اسم المسبب { على ما قلنا } أي على موجب ما قدمنا من أنه إذا حقق جهة الأصالة من الطرفين بالاعتبارين يجري المجاز منهما إلى آخره فإنه قد ظهر منه أنه إذا لم يتحقق جهة الأصالة من الطريفين بالاعتبارين لا يجري المجا منهما { فيقع التلاق بلفظ العتق } أي بناء على الأصل المذكور { فإن العتق } فمعنى الإعتاق { وضع لإزالة الملك ملك المتعة وتلك سبب لهذه } أي إزالة ملك الرقبة سبب لإزالة ملك المتعة { إذ تقضى إليها وليست هذه } أي إزالة ملك المتعة { مقصودةمنها } أي من إزالة ملك الرقبة { فلا يثبت العتق بلفظ الطلاق } بذلك الطريق { خلافا للشافعي لما مر } من الأصل الخلافي { ولا يثبت بطريق الاستعارة } أيضا { إذ كل منهما إسقاط } أي إسقاط الحق التصرف أما إثبات كالبيع والإجارة والهبة ونحوها أو أما إسقاط كالطلاق والعتاق والعفو عن القصاص ونحوها { بني على السراية واللزوم } أراد بالأول ثبوت الحكم في الكل بسبب ثبوته في البعض والثاني عدم قبول الفسخ { لعدم الإتصال بينهما في المعنى المشروع كيف شرع لأن الطلاق وقع قيد النكاح والعتق } بمعنى الإعتاق { إثبات القوة الشرعية } بناء على أنهما من المنقولات الشرعية فلا بد من اعتبار المعنى اللغوي فيهما والطلاق في اللغة رفع القيد يقال أطلقت الأسير أي خليته وأطلقت الناقة من عقالها ، والعتق بمعنى القوة يقال عتق الطائر إذا قوى وطار عن وكره ومنه عتاق الطير ويقال عتقت البكر إذا أدركت وقويت فالشرع نقله إلى القوة المخصوصة { وهذا لا ينافي قول أبي حنيفة رحمه الله } في مسئلة تجزي الإعتاق { أنه إزالة الملك لأن مراده أن التصرف الصادر عن المالك عند الإعتاق هي } أي إزالة الملك { لا أنها معناه الشرعي وإسناده } أي إسناد العتق { على معناه الشرعي إلى المالك مجازي لصدور سببية } وهو إزالة الملك { عنه } فيكون المجاز في الإسناد حيث أسند الفعل إلى السبب البعيد كما في قوله تعالى { ينزع عنهما لباسهما } { بقي ههنا إشكال وهو أن الاستعارة إنما تكون للمعنى } إذ لما معنى لاستعارة اللفظ للفظ ولا مانع عن استعارة لفظ الطلاق لمعنى إزالة ملك الرقبة لمناسبة بينهما وبين معنى الطلاق وهو إزالة { التقييد وهذا كاف في ثبوت المطلوب } أي مطلوب الخصم والتعرض للفظ الاعتاق وبيان معناه خارج عن البحث { فالوجه } في بيان عدم صحة استعارة الطلاق للعتق { أن يقال أن إزالة املك أقوى من إزالة القيد } ضرورة أن الملك أقوى منه ومزيل القوى أقوى من مزيل الضعيف { فلا يصح استعارة هذه } أي إزالة القيد { لتلك } أي لئزالة الملك { بل على العكس } إذ لا بد في الاستعارة من القوة في جانب المشبه به وفيه نظر { وكذا الإجارة } عطف على قوله فيقع الطلاق { تنعقد بلفظ البيع } هذا إذا بين المدة وعين جنس العمل وح لا فرق بين إضافتها إلى الحر وإضافتها إلى العبد على ما ذكر في الأسرار { دون العكس } لأن ملك الرقبة سبب محض لملك المنفعة { وعدم انعقادها به } أي عدم انعقاد الإجارة بلفظ البيع { إذا أضيف إلى المنفعة ليس لعدم صحة المجاز بل لعدم الصلاحية في المنفعة المعدومة الإضافة } جواب سؤال تقديره أنه إذا صح انعقاد الإجارة بلفظ البيع مجاز أن ينبغي أن يصح بقوله بعت منافع هذه الدار في هذا الشهر بكذا لكنه لا يصح وتقرير الجواب ظاهر { ولذلك } أي ولكون العلة ما ذكر { لا تنعقد لو كان المذكور لفظها } أي لفظ لإجارة فإنها إنما تصح إذا أضيفت إلى العين إقامة للعين الموجودة مقام المنفعة المعدومة { واعلم أنه يكفي في المجاز باعتبار السببية أن يكون } المعنى { الحقيقي سببا لجنس } المعنى { المجازي } ولا يجب أن يكون سببا للمعنى المجازي بعينه حتى يراد بالغيث جنس النبات سواء نبت بالمطر أو بغيره واعلم أن ملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطئ وهو لا يختلف في ملك النكاح واليمين وإنما يتغاير الأحكام لتغايرهما صفة لا ذاتا فإنه يثبت في باب النكاح مقصودا وفي ملك اليمين تبعا وإنما يعتبر اللفظ لإثبات ملك المتعة في المحل فيثبت على حسب ما يحتمله اللفظ فإذا جعل لفظ الهبة مجازا عن النكاح يثبت به ملك النكاح قصدا لا تبعا فيثبت فيه أحكام ملك النكاح لا أحكام ملك اليمين { ثم اعلم أن المعتبر في العلاقة المجازية سماع نوعها لا سماع عينها كيف واختراع المجازات البديعية والاستعارات الغريبة من فنون البلاغة إجماعا } ولهذا لم يدونوا المجازات تدوينهم الحقائق { والعلاقة مقتضية للصحة فالتخلف } أي تخلف الصحة عن المقتضى { لمانع } مخصوص { ليس بقادح } لأن عدم المانع ليس جزء من المقتضى جواب عن تمسك المخالف القائل باشتراط سماع عينها تقريره أنه لو جاز لمجرد وجود العلاقة لجاز إطلاق نخلة لطويل غير إنسان للمشابهة وشبكة للصيد للمجاورة وأب للابن وبالعكس للسببية واللازم باطل اتفاقا .
Halaman 52