266

Tafsir Wasit

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

Penerbit

دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع

Nombor Edisi

الأولى

Lokasi Penerbit

الفجالة - القاهرة

Genre-genre

ولم يعطف السجود على الركع، لأن الوصفين متلازمان ولو عطف لتوهم أنهما وصفان مفترقان. ثم ساق القرآن بعد ذلك نماذج من الدعوات التي تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا أى: أضرع إليك يا إلهى أن تجعل الموضع الذي فيه بيتك مكانا يأنس إليه الناس، ويأمنون فيه من الخوف، ويجدون فيه كل ما يرجون من أمان واطمئنان. والمشار إليه بقوله: هذا مكة المكرمة. والبلد كل قطعة من الأرض عامرة أو غامرة. والمقصود بالدعاء إنما هو أمن أهله لأن الأمن والخوف لا يلحقان البلد، وإنما يلحقان أهل البلد. قال الإمام الرازي: وإنما قال هنا بَلَدًا آمِنًا على التنكير، وقال في سورة إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا على التعريف لوجهين: الأول: أن الدعوة الأولى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلدا، كأنه قال: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيرته بلدا ذا أمن وسلامة. الثاني: أن تكون الدعوتان وقعتا بعد ما صار المكان بلدا، فقوله: اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا تقديره: أجعل هذا البلد بلدا آمنا كقولك: كان اليوم يوما حارا، وهذا إنما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة، لأن التنكير يدل على المبالغة فقوله: رب اجعل هذا البلد بلدا آمنا معناه: اجعله من البلدان الكاملة في الأمن. وأما قوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا فليس فيه إلا طلب الأمن لا طلب المبالغة «١» . أما الدعوة الثانية التي توجه بها إبراهيم إلى ربه من أجل أهل مكة فقد حكاها القرآن في قوله: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أى: كما أسألك يا إلهى أن تجعل هذا لبلد بلدا آمنا. أسألك كذلك أن ترزق المؤمنين من أهله من الثمرات ما يسد حاجاتهم، ويغنيهم من الاحتياج إلى غيرك. وقوله: «ارزق» مأخوذ من رزقه يرزقه إذا أعطاه ما ينتفع به من مأكول وغيره.

(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٤٧٦.

1 / 270