Tafsir Surah An-Nur
تفسير سورة النور
Genre-genre
الخلاف في قبول شهادة القاذف بعد توبته
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:٥]: للعلماء ﵏ في هذه الآية وجهان: الوجه الأول: قالوا: إن هذه الآية الكريمة دلت على أن الإنسان إذا قذف غيره وحكم القاضي برد شهادته، ثم تاب وكذَّب نفسه، فقال: فلان الذي قذفته ليس بزانٍ يُحكم بقبول شهادته.
فقوله: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ [النور:٥] يستثنى منه رجوع القائل الناطق بالقذف المتلفظ به، فإذا رجع عن قذفه فكذب نفسه قُبِلت شهادته، وهذا هو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة رحمة الله على الجميع.
وقال الإمام أبو حنيفة ﵀: إن القاذف لا تقبل شهادته إلى الأبد، وأما قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النور:٥] فهو عائد إلى الحكم بالفسق في قوله: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:٤]، أي: إلا الذين تابوا فهم ليسوا بفاسقين.
وفائدة الخلاف بين القولين: فيما لو أن إنسانًا قذف غيره بالزنا، ثم أقيم عليه الحد رُدَّت شهادته وحُكِم بفسقه، فعند الجمهور: لو تاب وكذَّب نفسه تُقبل شهادته بعد أن يكذِّب نفسه.
وعند الإمام أبي حنيفة ﵀: لا تُقبل شهادته بل ترد عليه ويبقى رد شهادته إلى الأبد، ولا ينفعه في ردها صلاحه، وتوبته فيما بينه وبين الله ﷿.
وفي هذه الآية الكريمة دليلٌ على سعة رحمة الله ﷿ بعباده، ولطفه بهم، وهي تدل دلالة واضحة على كمال وحكمة التشريع، ووجه ذلك: أن الله ﵎ لم يقنط القاذف، الذي ارتكب جريمة القذف من رحمته، بل فتح له باب الإنابة والتوبة إليه ﷾.
وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [النور:٥]: أي: من بعد إقامة الحد عليهم والحكم برد شهادتهم وبفسقهم.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:٥]: هذا هو الجواب، غفور لما كان منهم، رحيم بهم، وقال بعض العلماء: إن ختم الآيات بالرحمة يدل على التوفيق لهم بالطاعة، أي: أن الإنسان إذا ارتكب الإساءة فتاب وأناب ورجع إلى الله ﷿ فإن الله يمنُّ عليه بصلاح الحال رحمةً به ولطفًا من الله ﷿.
3 / 19