{ وليحكم أهل الإنجيل } الآية، أمر تعالى أهل الانجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من الأحكام ويكون هذا الأمر على سبيل الحكاية أي وقلنا لهم احكموا أي حين إيتائه عيسى أمرناهم بالحكم بما فيه إذ لا يمكن أن يكون ذلك بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شريعته ناسخة لجميع الشرائع. وقرأ الجمهور: وليحكم بلام الأمر. وقرأ حمزة وليحكم بكسر اللام وفتح الميم جعلها لام كي. والظاهر أن نصب هدى وموعظة على المفعول له وعطف عليه قوله: وليحكم ما كان فاعل هدى وموعظة عائد على الإنجيل عطف عليه قوله: وأتى باللام لاختلاف الفاعل لأن فاعل وليحكم أهل الإنجيل. والفاعل في هدى وموعظة. هو الإنجيل فلما اختلفا على المفعول من أجله باللام، كما تقول: ضربت ابني تأديبا، ولخوف زيد منه، ففاعل التأديب هو الضمير وفاعل الخوف هو زيد. ويجوز أن يكون وهدى وموعظة معطوفا على ومصدقا، كأنه يقال: وهاديا وواعظا. ويكون وقوله: وليحكم على قراءة حمزة متعلقا بمحذوف تقديره وآتيناه الإنجيل ليحكم.
{ ومن لم يحكم بمآ أنزل الله } الآية، ناسب هنا ذكر الفسق لأنه خروج عن أمر الله تعالى إذ تقدم قوله: وليحكم، وهو أمر كما قال تعالى:
اسجدوا لأدم فسجدوا
[البقرة: 34] إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، أي خرج عن طاعة أمره تعالى.
{ وأنزلنآ إليك الكتاب بالحق } الآية، لما ذكر تعالى أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور ولم يذكر من أنزلها عليه لاشتراك علم الجميع في أنها أنزلت على موسى عليه السلام وترك ذلك للمعرفة بذلك ثم ذكر عيسى وأنه آتاه الإنجيل فذكره مفيدا أنه من جملة الأنبياء إذ اليهود تنكر نبوته وإذا أنكرته أنكرت كتابه فنص عليه وعلى كتابه ثم ذكر إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فذكر الكتاب ومن أنزله عليه مقرر النبوة وكتابه لأن الطائفتين ينكرون نبوته وكتابه. وجاء هنا ذكر المنزل إليه بكاف الخطاب لأنه النص على المقصود، بالحق معناه متلبسا بالحق ومصاحبا له لا يفارقه. وانتصب مصدقا على الحال.
{ لما بين يديه } أي لما تقدمه. { من الكتاب } الألف واللام فيه للجنس لأنه عني به جنس الكتب المنزلة. { ومهيمنا عليه } قال ابن عباس: أمينا. وعنه أيضا: شاهدا. وقال الخليل: رقيبا. وبه وفسر الزمخشري قال: ومهيمنا رقيبا على سائر الكتب لأنه يشهد لها بالصحة والثبات. " انتهى كلامه ". وقال الشاعر:
مليك على عرش السماء مهيمن
لعزته تعنو الوجوه وتسجد
{ فاحكم بينهم } أمر يقتضي الوجوب. والضمير في " بينهم " عائد على المتحاكمين يهودا أو غيرهم. { ولا تتبع أهوآءهم } أي لا توافقهم على أغراضهم الفاسدة من التفريق في القصاص بين الشريف والوضيع وغير ذلك من أهوائهم التي هي راجعة لغير الدين والشرع.
{ عما جآءك من الحق } الذي هو القرآن وضمن تتبع معنى تنحرف أو تنصرف، فلذلك عدى بعن أي لا تنحرف أو تتزحزح عما جاءك متبعا أهواءهم أو بسبب أهوائهم. قال أبو البقاء: عما جاءك في موضع الحال أي عادلا عما جاءك ولم يضمن تتبع معنى ما يتعدى بعن وهذا ليس بجيد لأن عن حرف جر ناقص لا يصلح أن يكون حالا من الجثث كما لا يصلح أن يكون خبرا وإذا كان ناقصا فإنه يتعدى بكون مقيد لا بكون مطلق، والكون المقيد لا يجوز حذفه.
Halaman tidak diketahui