79

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Genre-genre

Tafsiran

وفي بعض الأخبار ذكر الحية والطاووس عونين لإبليس في إغوائه إياهما لكنها غير معتبرة، أضربنا عن ذكرها وكأنها من الأخبار الدخيلة، والقصة مأخوذة من التوراة وهاك لفظ التوراة في القصة بعينه: قال في الفصل الثاني من السفر الأول وهو سفر الخليقة: وإن الله خلق آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه الحياة، فصار آدم نفسا ناطقا، وغرس الله جنانا في عدن شرقيا، وصير هناك آدم الذي خلقه، وأنبت الله من الأرض كل شجرة، حسن منظرها وطيب مأكلها، وشجرة الحياة في وسط الجنان، وشجرة معرفة الخير والشر، وجعل نهرا يخرج من عدن ليسقي الجنان، ومن ثم يفترق فيصير أربعة أرؤس، اسم أحدها النيل، وهو المحيط بجميع بلد ذويلة الذي فيه الذهب، وذهب ذلك البلد جيد، ثم اللؤلؤ وحجارة البلور، واسم النهر الثاني جيحون، وهو المحيط بجميع بلد الحبشة، واسم النهر الثالث دجلة، وهو يسير في شرقي الموصل، واسم النهر الرابع هو الفرات، فأخذ الله آدم وأنزله في جنان عدن ليفلحه وليحفظه وأمر الله آدم قائلا: من جميع شجر الجنان جائز لك أن تأكل، ومن شجرة معرفة الخير والشر لا تأكل، فإنك في يوم أكلك منها تستحق أن تموت، وقال الله لا خير في بقاء آدم وحده، اصنع له عونا حذاه، فحشر الله من الأرض جميع وحش الصحراء وطير السماء وأتى بها إلى آدم ليريه ما يسميها، فكل ما سمى آدم من نفس حية باسم هو اسمه إلى الآن. فأسمى آدم أسماء لجميع البهائم وطير السماء وجميع وحش الصحراء ولم يجد آدم عونا حذاه، فأوقع سباتا على آدم لئلا يحس فنام، فاستل إحدى أضلاعه وسد مكانها اللحم، وبنى الله الضلع التي أخذ امرأة، فأتى بها إلى آدم، وقال آدم هذه المرة شاهدت عظما من عظامي، ولحما من لحمي، وينبغي أن تسمى امرأة لأنها من أمري أخذت، ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم زوجته، فيصيران كجسد واحد. وكانا جميعا عريانين آدم وزوجته ولا يحتشمان من ذلك. الفصل الثالث: والثعبان صار حكيما من جميع حيوان الصحراء الذي خلقه الله فقال للمرأة أيقينا قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنان؟ قالت المرأة للثعبان من ثمر شجر الجنان نأكل، لكن من ثمر الشجرة التي في وسطه قال الله لا تأكلا منه، ولا تدنوا به كيلا تموتا، قال لهما لستما تموتان، إن الله عالم أنكما في يوم أكلكما منه تنفتح عيونكما وتصيران كالملائكة عارفي الخير والشر بزيادة، فلما رأت المرأة أن الشجرة طيبة المأكل شهية المنظر، مني للعقل، أخذت من ثمرها فأكلت، وأعطت بعلها فأكل معها، فانفتحت عيونهما فعلما أنهما عريانان فخيطا من ورق التين ما صنعا منه مآزر، فسمعا صوت الله مارا في الجنان برفق في حركة النهار، فاستخبأ آدم وزوجته من قبل صوت الله خباء فيما بين شجر الجنان، فنادى الله آدم، وقال له مقررا: أين أنت؟ قال: إني سمعت صوتك في الجنان فاتقيت إذ أنا عريان فاستخبأت، قال: من أخبرك أنك عريان؟ أمن الشجرة التي نهيتك عن الأكل منها أكلت؟ قال آدم المرأة التي جعلتها معي أعطتني من الشجرة فأكلت، قال الله للمرأة: ما ذا صنعت؟ قالت: الثعبان أغراني فأكلت قال الله للثعبان: إذ صنعت هذا بعلم فأنت ملعون من جميع البهائم وجميع وحش الصحراء وعلى صدرك تسلك وترابا تأكل طول أيام حياتك، وأجعل عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، وهو يشدخ منك الرأس وأنت تلذعه في العقب، وقال للمرأة: لأكثرن مشقتك وحملك، وبمشقة تلدين الأولاد، وإلى بعلك يكون قيادك، وهو يتسلط عليك. وقال لآدم: إذ قبلت قول زوجتك فأكلت من الشجرة التي نهيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك بمشقة تأكل منها طول حياتك، وشوكا ودردرا تنبت لك، وتأكل عشب الصحراء، بعرق وجهك تأكل الطعام إلى حين رجوعك إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب وإلى التراب ترجع، وسمى آدم زوجته حواء لأنها كانت أم كل حي ناطق، وصنع الله لآدم وزوجته ثياب بدن وألبسهما، ثم قال الله، هو ذا آدم قد صار كواحد منا يعرف معرفة الخير والشر، والآن فيجب أن يخرج من الجنان لئلا يمد يده فيأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل فيحيا إلى الدهر، فطرده الله من جنان عدن ليفلح الأرض التي أخذ منها، ولما طرد آدم أسكن من شرقي جنان عدن الملائكة، ولمع سيف متقلب ليحفظوا طريق شجرة الحياة. انتهى الفصل من التوراة العربية المطبوعة سنة 1811 ميلادية، وأنت بتطبيق القصة من الطريقين أعني طريقي القرآن والتوراة ثم التأمل في الروايات الواردة من طريقي العامة والخاصة تعثر بحقائق من الحال غير أنا أضربنا عن الغور في بيانها والبحث عنها لأن الكتاب غير موضوع لذلك.

وأما دخول إبليس الجنة وإغواؤه فيها وهي أولا مقام القرب والنزاهة والطهارة وقد قال تعالى: "لا لغو فيها ولا تأثيم": الطور - 23، وهي ثانيا في السماء وقد قال تعالى خطابا لإبليس حين إبائه عن السجدة لآدم: "فاخرج منها فإنك رجيم": الحجر - 34، وقال تعالى: "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها": الأعراف - 12.

فالجواب عن الأول كما ربما يقال إن القرآن إنما نفى ما نفى من وقوع اللغو والتأثيم في الجنة عن جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون في الآخرة وجنة البرزخ التي يدخلونها بعد الموت والارتحال عن دار التكليف، وأما الجنة التي أدخل فيها آدم وزوجته وذلك قبل استقرار الإنسان في دار التكليف وتوجه الأمر والنهي فالقرآن لم ينطق فيه بشيء من ذلك، بل الأمر بالعكس وناهيك في ذلك ما ذكر من وقوع عصيان آدم فيه على أن اللغو والتأثيم من الأمور النسبية التي لا تتحقق إلا بعد حلول الإنسان الدنيا وتوجه الأمر والنهي إليه وتلبسه بالتكليف.

والجواب عن الثاني أولا: أن رجوع الضمير في قوله: فاخرج منها، وقوله: فاهبط منها إلى السماء غير ظاهر من الآية لعدم ذكر السماء في الكلام سابقا وعدم العهد بها، فمن الجائز أن يكون المراد الخروج من الملائكة والهبوط منها ببعض العنايات، أو الخروج والهبوط من المنزلة والكرامة.

وثانيا: أنه يجوز أن يكون الأمر بالهبوط والخروج كناية عن النهي عن المقام هناك بين الملائكة، لا عن أصل الكون فيها بالعروج والمرور من غير مقام واستقرار كالملائكة، ويلوح إليه بل يشهد به ما ربما يظهر من الآيات من استراق السمع، وقد روي: أن الشياطين كانوا يعرجون قبل عيسى إلى السماء السابعة فلما ولد عيسى منعوا من السماء الرابعة فما فوقها، ثم لما ولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منعوا من جميع السماوات وخطفوا بالخطفة.

وثالثا: أن كلامه تعالى خال عن دخول إبليس الجنة فلا مورد للاستشكال، وإنما ورد ما ورد من حديث الدخول في الروايات وهي آحاد غير متواترة مع احتمال النقل بالمعنى من الراوي.

وأقصى ما يدل من كلامه تعالى على دخوله الجنة قوله تعالى حكاية عن إبليس "وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين": "الأعراف - 19" حيث أتي بلفظة هذه وهي للإشارة من قريب، لكنها لو دلت هاهنا على القرب المكاني لدل في قوله تعالى: "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين": الأعراف - 18، على مثله فيه تعالى.

وفي العيون، عن عبد السلام الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد، فقال كل ذلك حق، قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال: يا بن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا، وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا، وإن آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له، وبإدخاله الجنة، قال: هل خلق الله بشرا أفضل مني؟ فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق العرش، فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ فقال عز وجل يا آدم هؤلاء ذريتك. وهم خير منك ومن جميع خلقي، ولو لا هم ما خلقتك ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، وتسلط على حواء فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله تعالى من جنته وأهبطهما من جواره إلى الأرض.

Halaman 80