Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Genre-genre
والآيات المنسوخة مع ذلك لا تخلو من إيماء وتلويح إلى النسخ كما في قوله تعالى "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره": البقرة - 109، المنسوخ بآية القتال وقوله تعالى: "فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا": النساء - 14 المنسوخ بآية الجلد فقوله: حتى يأتي الله بأمره وقوله: "أو يجعل الله لهن سبيلا" لا يخلو عن إشعار بأن الحكم موقت مؤجل سيلحقه نسخ.
وخامسا: أن النسبة التي بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة التي بين العام والخاص وبين المطلق والمقيد وبين المجمل والمبين، فإن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ بعد استقراره بينهما بحسب الظهور اللفظي هو الحكمة والمصلحة الموجودة بينهما، بخلاف الرافع للتنافي بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين فإنه قوة الظهور اللفظي الموجود في الخاص والمقيد والمبين، المفسر للعام بالتخصيص، وللمطلق بالتقييد، وللمجمل بالتبيين على ما بين في فن أصول الفقه، وكذلك في المحكم والمتشابه على ما سيجيء في قوله: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات": آل عمران - 7.
قوله تعالى: أو ننسها، قرىء بضم النون وكسر السين من الإنساء بمعنى الإذهاب عن العلم والذكر وقد مر توضيحه، وهو كلام مطلق أو عام غير مختص برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل غير شامل له أصلا لقوله تعالى: "سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله": الأعلى - 7، وهي آية مكية وآية النسخ مدنية فلا يجوز عليه النسيان بعد قوله تعالى: فلا تنسى وأما اشتماله على الاستثناء بقوله: إلا ما شاء الله فهو على حد الاستثناء الواقع في قوله تعالى: "خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ": هود - 109، جيء بها لإثبات بقاء القدرة مع الفعل على تغيير الأمر، ولو كان الاستثناء مسوقا لبيان الوقوع في الخارج لم يكن للامتنان بقوله: فلا تنسى معنى، إذ كل ذي ذكر وحفظ من الإنسان وسائر الحيوان كذلك يذكر وينسى وذكره ونسيانه كلاهما منه تعالى وبمشيته، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك قبل هذا الإقراء الامتناني الموعود بقوله: سنقرئك يذكر بمشية الله وينسى بمشية الله تعالى فليس معنى الاستثناء إلا إثبات إطلاق القدرة أي سنقرئك فلا تنسى أبدا والله مع ذلك قادر على إنسائك هذا.
وقرىء قوله: ننساها بفتح النون والهمزة من نسيء نسيئا إذا أخر تأخيرا فيكون المعنى على هذا: ما ننسخ من آية بإزالتها أو نؤخرها بتأخير إظهارها نأت بخير منها أو مثلها ولا يوجب التصرف الإلهي بالتقديم والتأخير في آياته فوت كمال أو مصلحة، والدليل على أن المراد بيان أن التصرف الإلهي يكون دائما على الكمال والمصلحة هو قوله: بخير منها أو مثلها فإن الخيرية إنما يكون في كمال شيء موجود أو مصلحة حكم مجعول ففي ذلك يكون موجود مماثلا لآخر في الخيرية أو أزيد منه في ذلك فافهم.
بحث روائي
قد تكاثرت روايات الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة وعن أئمة أهل البيت (عليهم السلام): أن في القرآن ناسخا ومنسوخا.
وفي تفسير النعماني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): بعد ذكر عدة آيات من الناسخ والمنسوخ: قال (عليه السلام) ونسخ قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قوله عز وجل: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم أي للرحمة خلقهم.
Halaman 146