وهذه الصيغة موضوعة لطلب الفعل مطلقا، لكنه من الأعلى أمر، ومن الأدنى دعاء، ومن المساوي التماس.
واعتبر بعضهم في الأوامر الاستعلاء، وفي الدعاء التضرع، وفي الالتماس عدمهما.
و " السراط ": الجادة، سمى به على ما توهم أنه يبتلع سالكه، أو يبتلعه سالكه، كما يقال: أكلته المفازة، إذا أضمرته أو أهلكته، وأكل المفازة: إذا قطعها، و لذلك سمي باللقم، لأنه يلقمهم أو يلتقمونه.
وقيل: يناسب ابتلاع الصراط السالك السير إلى الله، فإن هذا السير ينتهي إلى فناء السالك، وذلك هو ابتلاع الصراط إياه، وابتلاع السالك الصراط يناسب السير في الله، فإن السالك حينئذ يبقى ببقاء الله سبحانه ويسير في صفاته ويتحقق بها، فكأنه يبتلعها ويتغذى بها.
و " الصراط " من قلب السين صادا لأجل الطاء، لأنها مستعلية، فتوافقها الصاد، لكونها أيضا من المستعلية، بخلاف السين فإنها من المنخفضة، ففي الجمع بينهما بعض الثقل، ويشم الصاد صوت الزاي ليكتسي بها نوع جهر فيزداد قربها من الطاء، وقيل: ليكون أقرب إلى المبدل منه، وقرئ بهن جميعا. والأفصح إخلاص الصاد، وهي لغة قريش، والجمع سرط ككتب. والصراط يذكر ويؤنث كالطريق والسبيل. وقرأ ابن مسعود: أرشدنا (1).
قيل: المراد بالمستقيم ما يؤدي إلى المقصود، سواء كان أقرب الطرق أم لا، أو المراد به أقرب الطرق، فغير المستقيم على هذا لا يجب أن يكون من طرق الضلال، بل يكون أعم، أو المراد به أعدل الطرق، وهو غير المائل عنه يمنة ويسرة.
قيل: فطلب الهداية إلى الأول يناسب أهل السعادة مطلقا، وإلى الثاني يناسب المتوجهين إليه بالوجه الخاص، فإنه أقرب الطرق، وإلى الثالث يناسب طالبي مرتبة الجمع بين الجمع والفرق، فإن طريقهم غير مائل إلى يمين الجمع، ولا إلى يسار الفرق.
Halaman 59