[النحل: 106].
ومعنى قوله: { ومن الناس من يشري نفسه } على هذا التأويل الذي ذكرناه: ومن الناس من يشري نفسه ودينه بماله. وعن عمر وعلي رضي الله عنهما: أنهما قالا في هذه الآية: (هو الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقتل عليه) فعلى هذا معنى قوله تعالى: { يشري نفسه } أي يبيع نفسه يبذلها في الجهاد في سبيل الله. وهذا من أسماء الأضداد، قال الشاعر في شريت بمعنى بعت:
وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامه
أي هلكت. وقوله تعالى: { ابتغآء مرضات الله } نصب على أنه مفعول له؛ كأنه قال: لابتغاء مرضاة الله. وقوله تعالى: { والله رؤوف بالعباد }؛ أي رحيم بهم يرغبهم في الخير، ويثيبهم عليه رأفة بهم. ويقال إنه لرأفته ورحمته أمرهم ببيع أنفسهم لكي ينالوا من كريم ثوابه ما هو خير لهم.
[2.208]
قوله عز وجل: { يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة }؛ قال ابن عباس: (نزلت هذه الآية فيمن أسلم من أهل الكتاب: عبدالله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم عظموا السبت وكرهوا لحوم الإبل وألبانها، واتقوا أشياء كانوا يتقونها قبل أن يسلموا. وقالوا: يا رسول الله، إن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم في صلاتنا بالليل؟ فأنزل الله هذه الآية وأمرهم أن يدخلوا في جميع شرائع محمد صلى الله عليه وسلم).
ومعناها: { يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة } أي في الإسلام، وقال مجاهد: (في أحكام الدين وأعماله). وأصله من الاستسلام والانقياد؛ ولذلك قيل للصلح: سلم. وقال حذيفة في هذه الآية: (الإسلام ثمانية أسهم: الصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، والحج سهم، والعمرة سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم. وقد خاب من لا سهم له).
وقال الحسن رضي الله عنه: (معنى الآية: { يأيها الذين آمنوا } تكلموا بكلمة الإيمان؛ أي أقيموا على الإيمان) حث الله تعالى بهذه الآية جميع المؤمنين على الإسلام والطاعة لمن يشري نفسه؛ ألا تراه قال بعد ذلك: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان }؛ أي لا تفعلوا فعل ألد الخصام. وقيل: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } أي لا تقتفوا آثاره ؛ لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.
قوله تعالى: { إنه لكم عدو مبين }؛ أي إنه عدو لكم ظاهر العداوة، فإن قيل: كيف قال الله تعالى: { إنه لكم عدو مبين } وهو لم يبد لنا شخصه؟ قيل: قد كان إبداؤه العداوة لأبينا آدم عليه السلام حين امتنع من السجود له وقال: أنا خير منه، فكان إبداؤه وإظهاره العداوة لأبينا آدم عليه السلام أبداء وإظهارا لنا.
Halaman tidak diketahui