Tafsir Ibn Kathir

Ibn Kathir d. 774 AH
58

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير - ت السلامة

Penyiasat

سامي بن محمد السلامة

Penerbit

دار طيبة للنشر والتوزيع

Nombor Edisi

الثانية ١٤٢٠ هـ

Tahun Penerbitan

١٩٩٩ م

Genre-genre

﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٩] . فَمَنْ بَلَغَهُ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ عَرَبٍ وعَجَم، وأسودَ وأحمرَ، وَإِنْسٍ وَجَانٍّ، فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ: ١٧] . فَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا (١) فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ [الْقَلَمِ: ٤٤، ٤٥] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بُعِثتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ" (٢) . قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. فَهُوَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، مُبَلِّغًا لَهُمْ عَنِ اللَّهِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الَّذِي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٢] . وَقَدْ أَعْلَمَهُمْ فِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ نَدَبهم إِلَى تَفَهُّمه، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: ٨٢]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ [ص: ٢٩]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [مُحَمَّدٍ: ٢٤] . فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْكَشْفُ عَنْ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ، وَطَلَبُهُ مِنْ مَظَانِّهِ، وتَعلُّم ذَلِكَ وَتَعْلِيمُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٧٧] . فَذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَنَا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا، وَاشْتِغَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ. فَعَلَيْنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-أَنْ نَنْتَهِيَ عَمَّا ذمَّهم اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنْ نَأْتَمِرَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، مِنْ تَعَلُّم كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ إِلَيْنَا وَتَعْلِيمِهِ، وَتَفَهُّمِهِ وَتَفْهِيمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الْحَدِيدِ: ١٦، ١٧] . فَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، كَذَلِكَ يُلِينُ الْقُلُوبَ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ قَسْوَتِهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَاللَّهُ الْمُؤَمَّلُ الْمَسْؤُولُ أن يفعل بنا ذلك، إنه

(١) في جـ: "ذكرناه". (٢) رواه مسلم في صحيحه برقم (٥٢١) من حديث جابر، ﵁.

1 / 6