Tafsir Ibn Kathir
تفسير ابن كثير
Editor
سامي بن محمد السلامة
Penerbit
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edisi
الثانية
Tahun Penerbitan
1420 AH
Genre-genre
Tafsiran
نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَاءِ فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا" الْحَدِيثَ.
قَالَ (١) وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا صَحّ بِنَظِيرِهِ (٢) الخبرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتة سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ ونزعَ وَاسْتَعْتَبَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٤] (٣) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، بِهِ (٤) .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَى الْقُلُوبِ أَغْلَقَتْهَا، وَإِذَا أَغْلَقَتْهَا أَتَاهَا حِينَئِذٍ الْخَتْمُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالطَّبْعُ، فَلَا يَكُونُ لِلْإِيمَانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ، وَلَا لِلْكُفْرِ عَنْهَا (٥) مُخَلِّصٌ، فَذَلِكَ (٦) هُوَ الْخَتْمُ وَالطَّبْعُ الَّذِي ذُكِرَ (٧) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ نَظِيرُ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى مَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنَ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ، الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِيهَا إِلَّا بِفَضِّ (٨) ذَلِكَ عَنْهَا ثُمَّ حَلِّهَا، فَكَذَلِكَ (٩) لَا يَصِلُ الْإِيمَانُ إِلَى قُلُوبِ مَنْ وَصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ إِلَّا بَعْدَ فَضِّ خَاتَمِهِ وحَلّه رِبَاطَهُ [عَنْهَا] (١٠) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ التَّامَّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾، وَقَوْلُهُ ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ، فَإِنَّ الطَّبْعَ يَكُونُ عَلَى الْقَلْبِ وَعَلَى السَّمْعِ، وَالْغِشَاوَةَ -وَهِيَ الْغِطَاءُ-تَكُونُ عَلَى الْبَصَرِ، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الهَمْداني، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (١١) ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ يَقُولُ: فَلَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، وَيَقُولُ: وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً، يَقُولُ: عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَلَا يُبْصِرُونَ.
قَالَ (١٢) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ (١٣) حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ وَالْغِشَاوَةُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، يَعْنِي ابْنَ دَاوُدَ، وهو سُنَيد، حدثني حجاج، وهو ابن مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: الْخَتْمُ عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ، وَالْغِشَاوَةُ عَلَى الْبَصَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشُّورَى: ٢٤]، وَقَالَ ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣] (١٤) .
(١) في جـ، ط: "قال ابن جرير"
(٢) في جـ: "ما صح به بنظره".
(٣) تفسير الطبري (١/٢٦٠) .
(٤) سنن الترمذي برقم (٣٣٣٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٥٨) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٤٤) .
(٥) في أ، و: "منها".
(٦) في جـ: "فلذلك".
(٧) في و: "ذكره الله".
(٨) في جـ: "إلى نقض".
(٩) في جـ: "فلذلك".
(١٠) زيادة من جـ، ط.
(١١) في جـ، ط: "النبي".
(١٢) في جـ، ط: "وقال".
(١٣) في أ: "سفيان".
(١٤) تفسير الطبري (١/٢٦٥) .
1 / 175