119

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير

Penyiasat

سامي بن محمد السلامة

Penerbit

دار طيبة للنشر والتوزيع

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1420 AH

Genre-genre

Tafsiran
فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَذَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعْوَةِ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُبتغى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَعَمِلَ هُوَ فِي نَفْسِهِ صَالِحًا، وَقَالَ قَوْلًا صَالِحًا، فَلَا أَحَدَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ هَذَا. وَقَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ -أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ومشايخهم-من رَغِبَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَقَعَدَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي (١) إِمَارَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجَّاجِ قَالُوا: وَكَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الَّذِي مَكَثَ فِيهِ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ سَبْعِينَ سَنَةً، ﵀، وَآتَاهُ اللَّهُ مَا طَلَبَهُ وَدَامَهُ. آمِينَ.
قَالَ (٢) الْبُخَارِيُّ، ﵀: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: "مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ". فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا قَالَ: ["أَعْطِهَا ثَوْبًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ] (٣) "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". قَالَ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: "قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " (٤) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي قَصَدَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ تَعَلَّمَ (٥) الَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعَلِّمَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ صَدَاقًا لَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا صَدَاقًا؟ أَوْ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؟ وَهَلْ هَذَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﵊: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"؟ أَبِسَبَبِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: نُكْرِمُكَ بِذَلِكَ أَوْ بِعِوَضِ مَا مَعَكَ، وَهَذَا أَقْوَى، لِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "فَعَلِّمْهَا" (٦) وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا وَتَحْرِيرُ بَاقِي الْخِلَافِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

(١) في جـ: "من".
(٢) في جـ: "ثم قال".
(٣) زيادة من جـ.
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٠٢٩) .
(٥) في جـ: "يعلمها".
(٦) في جـ: "فتعلمها".
الْقِرَاءَةُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
إِنَّمَا أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ (١) حَدِيثَ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، الْحَدِيثَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْآنَ، وَفِيهِ أَنَّهُ، ﵇، قَالَ لِرَجُلٍ: "فَمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ ". قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا. قَالَ: "أَتَقْرَؤُهُنَّ (٢) عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" (٣) .
وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنَ الْبُخَارِيِّ، ﵀، مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَكِنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى التِّلَاوَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَرِهُوا أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الرَّجُلِ يَوْمٌ لَا يَنْظُرُ فِي مُصْحَفِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى فَضِيلَةِ التِّلَاوَةِ في المصحف بما رواه الإمام العلم (٤)

(١) في جـ: "هذا الوجه".
(٢) في جـ: "أتقرأ".
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٠٣٠) .
(٤) في جـ: "العالم".

1 / 68