136

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Penyiasat

صدقي محمد جميل

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

١٤٢٠ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَبِحَالِ مَنْ أَخَذَتْهُ السَّمَاءُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَعَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ وَخَوْفٍ مِنَ الصَّوَاعِقِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي يَجْعَلُونَ. وَالتَّمْثِيلُ الثَّانِي أَبْلَغُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيْرَةِ وَشِدَّةِ الْأَمْرِ، وَلِذَلِكَ أَخَّرَ فَصَارَ ارْتِقَاءً مِنَ الْأَهْوَنِ إِلَى الْأَغْلَظِ. وَقَدْ رَامَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ تَرَتُّبَ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَمُوَازَنَتَهَا فِي الْمَثَلِ مِنَ الصَّيِّبِ وَالظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ، فَقَالَ: مَثَّلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِالصَّيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَشْكَالِ، وَعَمَّا هُمْ بِالظُّلُمَاتِ وَالْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ بِالرَّعْدِ وَالنُّورِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي تَكَادُ أَحْيَانًا أَنْ تُبْهِرَهُمْ بِالْبَرْقِ وَتُخَوِّفَهُمْ بِجَعْلِ أَصَابِعِهِمْ، وَفَضْحِ نِفَاقِهِمْ وَتَكَالِيفِ الشَّرْعِ الَّتِي يَكْرَهُونَهَا مِنَ الْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا بِالصَّوَاعِقِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مِنَ التَّمْثِيلِ الْمُفَرَّقِ الَّذِي يُقَابِلُ مِنْهُ شَيْءٌ شَيْئًا مِنَ الْمُمَثَّلِ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وقرىء: أَوْ كَصَايِبٍ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ صَابَ يَصُوبُ وَصَيِّبٌ، أَبْلَغُ مِنْ صَايِبٍ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا مَوْضِعُهُ رَفْعٌ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ قوله: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ إِذَا قُلْنَا لَيْسَتْ جَوَابٌ لِمَا جُمْلَةُ اعْتِرَاضٍ فُصِلَ بِهَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ إِذَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمُنَافِقِينَ. فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَكُونُ الْجُمْلَتَانِ جُمْلَتَيِ اعْتِرَاضٍ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: لَعَمْرُكَ وَالْخُطُوبُ مُغِيرَاتٌ ... وَفِي طُولِ الْمُعَاشَرَةِ التَّقَالِي لَقَدْ بَالَيْتُ مَظْعَنَ أُمِّ أَوْفَى ... وَلَكِنْ أُمُّ أَوْفَى لَا تُبَالِي فَفَصْلَ بَيْنَ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ بِجُمْلَتَيِ الِاعْتِرَاضِ. مِنَ السَّمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِصَيِّبٍ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَمِنْ فِيهِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ فَتُعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ، وتكون من إذ ذاك لِلتَّبْعِيضِ، وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ التَّقْدِيرُ، أَوْ كَمَطَرٍ صَيِّبٍ مِنْ أَمْطَارِ السَّمَاءِ، وَأَتَى بِالسَّمَاءِ مَعْرِفَةً إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَذَا الصَّيِّبَ نَازِلٌ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ، فَهُوَ مُطَبَّقٌ عَامٌّ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ السَّحَابَ مِنَ السَّمَاءِ يَنْحَدِرُ، وَمِنْهَا يَأْخُذُ مَاءَهُ، لَا كَزَعْمِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ «١» انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْشَأَ الْمَطَرِ مِنَ الْبَحْرِ، إِنَّمَا تَدُلُّ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ تَنَافٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنَّ مَنْشَأَهُ مِنَ الْبَحْرِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّحَابَ بَنَاتُ بَحْرٍ، يَعْنِي أَنَّهَا تَنْشَأُ مِنَ البحار، قال طرفة:

(١) سورة النور: ٢٤/ ٤٣.

1 / 139