131

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Penyiasat

صدقي محمد جميل

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

١٤٢٠ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

الحال، ولا يُبْصِرُونَ. حَالٌ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ فِي تَرَكَهُمْ، عَلَى أَنْ تَكُونَ لَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، أَوْ تَكُونَ تَعَدَّتْ إِلَيْهِمَا وَقَدْ أَخَذَتْهُمَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْنِي. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُبْصِرُونَ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الذَّمِّ، صُمًّا بُكْمًا، فَيَكُونَ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ: أَقَارِعُ عَوْفٍ لَا أُحَاوِلُ غَيْرَهَا ... وُجُوهُ قُرُودٍ تَبْتَغِي من تخادع وَفِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُنَافِقِينَ، إِذْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا قَبْلَهَا، وَمَا قَبْلَهَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُسْتَوْقِدِينَ، إِلَّا إِنْ جُعِلَ الْكَلَامُ فِي حَالِ الْمُسْتَوْقِدِ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ، وَكَانَ الضَّمِيرُ فِي نُورِهِمْ يَعُودُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَإِذْ ذَاكَ تَكُونُ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ لَهُمْ. وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ أَوْصَافِ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّهَا حَالَةُ الرَّفْعِ مِنْ أَوْصَافِهِمْ. أَلَا تَرَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُمْ صُمٌّ، أَيِ الْمُنَافِقُونَ؟ فَكَذَلِكَ فِي النَّصْبِ. وَنَصَّ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى ضعف النصب على الذم، وَلَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الضَّعْفِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ النَّصْبَ عَلَى الذَّمِّ إِنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يُذْكَرُ الِاسْمُ السَّابِقُ فَتَعْدِلُ عَنِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْإِعْرَابِ إِلَى الْقَطْعِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمِ اسْمٌ سَابِقٌ تَكُونُ هَذِهِ الْأَوْصَافُ مُوَافِقَةً لَهُ فِي الْإِعْرَابِ فَتُقْطَعُ، فَمِنْ أَجْلِ هَذَا ضَعُفَ النَّصْبُ عَلَى الذَّمِّ. فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ: جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ، وَهِيَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَمُتَعَقِّبَتُهَا، لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ، الَّتِي هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ قَبُولِ الْحَقِّ، جَدِيرٌ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى إِيمَانٍ. فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ فِي معنيين، فَذَلِكَ وَاضِحٌ، لِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِيمَانِ لا يرجع إليه أَبَدًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غير معنيين فَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالدَّيْمُومَةِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَا. قَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلٌ: لَا يَرْجِعُونَ عَنْ ضَلَالِهِمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُونَ عَنِ الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ وَالْعَمَى، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُونَ إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَنِ التَّمَسُّكِ بِالنِّفَاقِ، وَقِيلَ: إِلَى الْهُدَى بَعْدَ أَنْ بَاعُوهُ، أَوْ عَنِ الضَّلَالَةِ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَوْهَا، وَأَسْنَدَ عَدَمَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ تَعَالَى لَهُمْ عُقُولًا لِلْهِدَايَةِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا بِالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، وَعَدَلُوا عَنْ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ، وَالْجَرْيِ عَلَى مَأْلُوفِ آبَائِهِمْ، كَانَ عَدَمُ الرُّجُوعِ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ اخْتِرَاعًا وَإِلَى الْعَبْدِ لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، فَأَضَافَ هَذِهِ

1 / 134