117

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Penyiasat

صدقي محمد جميل

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

١٤٢٠ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

ذِكْرِ ذَهَابِ الْمَالِ، لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الضَّلَالَ نَقِيضُ الْهُدَى، وَالنَّقِيضَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَاسْتِبْدَالُهُمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى دَلَّ عَلَى ذَهَابِ الْهُدَى بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَتَخَرَّجُ عِنْدِي عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ قوله: علي لا حب لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ أَيْ لَا مَنَارَ لَهُ فَيَهْتَدِي بِهِ، فَنَفَى الْهِدَايَةَ، وَهُوَ يُرِيدُ نَفْيَ الْمَنَارِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمَنَارِ نَفْيُ الْهِدَايَةِ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ لَمَّا ذَكَرَ شِرَاءَ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، إِذِ التِّجَارَةُ لَيْسَ نَفْسُ الِاشْتِرَاءِ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِتَاجِرٍ، إِنَّمَا التِّجَارَةُ: التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ لِتَحْصِيلِ النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ فَنَفَى الرِّبْحَ. وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ التِّجَارَةِ أَيْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ الَّذِي وَقَعَ هُوَ تِجَارَةٌ فَلَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تِجَارَةً انْتَفَى الرِّبْحَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا تِجَارَةَ لَهُمْ وَلَا رِبْحَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي يَطْلُبُهُ التُّجَّارُ فِي مُتَصَرَّفَاتِهِمْ شَيْئَانِ: سَلَامَةُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحُ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ أَضَاعُوا الطِّلْبَتَيْنِ مَعًا، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَالُهُمْ كَانَ هُوَ الْهُدَى، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَعَ الضَّلَالَةِ، وَحِينَ لَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ إِلَّا الضَّلَالَةُ لَمْ يُوصَفُوا بِإِصَابَةِ الرِّبْحِ، وَإِنْ ظَفِرُوا بِمَا ظَفِرُوا بِهِ مِنَ الْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِأَنَّ الضَّلَالَ خَاسِرٌ دَامِرٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ قَدْ رَبِحَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُخْلَصٍ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّ نَفْيَ الرِّبْحِ عَنِ التِّجَارَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ كُلِّ الْمَالِ، وَلَا عَلَى الْخُسْرَانِ فِيهِ، لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْفَضْلُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَإِذَا نَفَى الْفَضْلَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا عَلَى الِانْتِقَاصِ مِنْهُ، وَهُوَ الْخُسْرَانُ. قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ مفيدا لذهاب رؤوس أَمْوَالِهِمْ، أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَما كانُوا مُهْتَدِينَ فَكَمَّلَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ، وَتَمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْبَيَانِ يُقَالُ لَهُ: التَّتْمِيمُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: كَأَنَّ عُيُونَ الْوَحْشِ حَوْلَ خِبَائِنَا ... وأرحلنا الْجَزْعُ الَّذِي لَمْ يُثَقَّبِ تَمَّمَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: الَّذِي لَمْ يُثَقَّبِ، وَكَمَّلَ الْوَصْفَ وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى اعْتِيَاضَهُمُ الضَّلَالَةَ عَنِ الْهُدَى تِجَارَةً، وَإِنْ كَانَتِ التِّجَارَةُ هِيَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ الْمُتَحَقِّقُ مِنْهُ الْفَائِدَةُ، أَوِ الْمُتَرَجَّى ذَلِكَ مِنْهُ. وَهَذَا الِاعْتِيَاضُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْكُفْرَ مُحْبِطٌ لِلْأَعْمَالِ. قَالَ تَعَالَى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا «١» الْآيَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ ﷺ سُئِلَ عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ:

(١) سورة الفرقان: ٢٥/ ٢٣.

1 / 120