108

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Penyiasat

صدقي محمد جميل

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

١٤٢٠ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

الْكَامِلُونَ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، أَوْ عَبَّرَ بِالنَّاسِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ هُمُ النَّاسُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ صُورَتُهُ صُورَةُ النَّاسِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّاسِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، كَمَا قال الشاعر: ليس من النَّاسِ وَلَكِنَّهُ ... يَحْسَبُهُ النَّاسُ مِنَ النَّاسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَيُعْنَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَنَحْوُهُ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ، أَوْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الْأَنْصَارِ عَدَّهُمُ الْكَلْبِيُّ. وَالْأَوْلَى حَمْلُهَا عَلَى الْعَهْدِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ سَبَقَ إِيمَانُهُ قَبْلَ قَوْلِ ذَلِكَ لَهُمْ، فَيَكُونُ حَوَالَةً عَلَى مَنْ سَبَقَ إِيمَانُهُ لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ مَعْهُودُونَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ. وَالتَّشْبِيهُ فِي: كَمَا آمَنَ النَّاسُ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِخْلَاصِ، وَإِلَّا فَهُمْ نَاطِقُونَ بِكَلِمَتِي الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُعْتَقِدِيهَا. أَنُؤْمِنُ: مَعْمُولٌ لِقَالُوا، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ أَوِ الِاسْتِهْزَاءِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُشَبَّهًا كَانَ جَوَابُهُمْ مُشَبَّهًا فِي قَوْلِهِمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ، وَالْقَوْلُ فِي الْكَافِ وَمَا فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِيهِمَا فِي: كَما آمَنَ النَّاسُ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي السُّفَهَاءِ لِلْعَهْدِ، فَيُعْنَى بِهِ الصَّحَابَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوِ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ، قَالَهُ الْحَسَنُ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وأصحابه، قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَنْ فُسِّرَ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْمَعْهُودِينَ، أَوِ الْكَامِلُونَ فِي السَّفَهِ، أَوْ لِأَنَّهُمُ انْحَصَرَ السَّفَهُ فِيهِمْ إِذْ لَا سَفِيهَ غَيْرُهُمْ. وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلصِّفَةِ الْغَالِبَةِ نَحْوِ: الْعَيُّوقِ وَالدَّبَرَانِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُغَلِّبْ هَذَا الْوَصْفَ عَلَيْهِمْ، فَصَارُوا إِذَا قِيلَ: السُّفَهَاءُ، فَهُمْ مِنْهُ نَاسٌ مَخْصُوصُونَ، كَمَا يُفْهَمُ مِنَ الْعَيُّوقِ نَجْمٌ مَخْصُوصٌ. وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُمْ: كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أن يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ وَالتَّجَلُّدِ حَذَرًا مِنَ الشَّمَاتَةِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِسُفَهَاءَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ من بَابِ الِاعْتِقَادِ الْجَزْمِ عِنْدَهُمْ، فَيَكُونُوا قَدْ نَسَبُوهُمْ لِلسَّفَهِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ سُفَهَاءُ، وَذَلِكَ لِمَا أَخَلُّوا بِهِ مِنَ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ الصَّحِيحِ الْمُؤَدِّي إِلَى إِدْرَاكِ الْحَقِّ، وَهُمْ كَانُوا فِي رِئَاسَةٍ وَيَسَارٍ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ إِذْ ذَاكَ أَكْثَرُهُمْ فُقَرَاءُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مُوَالٍ، فَاعْتَقَدُوا أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَ مِنَ السُّفَهَاءِ لِأَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا مَا لَا يُجْدِي عِنْدَهُمْ وَكَسِلُوا عَنْ طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْغِنَى وَمَا بِهِ السُّؤْدُدُ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ هُوَ غَايَةُ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: كَما آمَنَ السُّفَهاءُ إِثْبَاتٌ مِنْهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ بِسَفَهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِضِدِّ السَّفَهِ، وَهُوَ رَزَانَةُ الْأَحْلَامِ وَرُجْحَانُ الْعُقُولِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَأَثْبَتَ أَنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ، وَصَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِأَلَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ لِيُنَادِي عَلَيْهِمُ الْمُخَاطِبِينَ بِأَنَّهُمُ السُّفَهَاءُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِإِنَّ وَبِلَفْظِ هُمْ.

1 / 111