Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Penerbit
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٦ هـ
Lokasi Penerbit
المملكة العربية السعودية
Genre-genre
ووَطَنَها؛ ولِهَذا تجِدُها تُلاحِظُه إِذا مَرِضَ، وتجِدُ أنَّه يجِدُ مِن عِنايَتِها أكْثَر مِمَّا يَجِدُ مِن عِنَايَة أَبِيهِ وأُمِّهِ بِه، وتَحْزَنُ إِذا حَزِن وتُسَرُّ إِذا سُرَّ، وإِذا كانَتِ الحالُ بَيْنَهُما جيِّدَةً يُمْكِنُ أنْ تَبِيعَ كُلَّ مَا تمْلِكُ مْن أجْلِ راحَتِه وإِسْعَادِهِ، حتَّى إِنَّ بعْضَ النّساءِ تَبِيعُ حُلِيَّها ومَا زَاد عَنْ ضَرورَتِها مِن الثّيابِ مِنْ أجْلِ الرَّحمَةِ بزَوْجِها، هَذا لا شَكَّ أنَّه رحْمَةٌ.
وبالنِّسبة للرَّجُل كَذَلِكَ ظاهِرٌ، فإنَّ مودَّةَ الرَّجلِ لزَوْجَتِه أمْرٌ لا يُنْكَرُ، وَكَذلِكَ رحْمَتُه إيَّاها أمْرٌ لا يُنْكَرُ، وأمَّا المودَّةُ فظَاهِرَةٌ ولَوْلا قُوَّةُ المودَّةِ بيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَا حصَل الاتِّصالُ بَيْنَهُما الَّذي أرادَهُ الله ﷿ لأجْلِ أنْ تكْمُل هَذِهِ الخليقَةُ وتنْمُو، فمِنْ أجْلِ هَذا جعَلَ الله تَعالَى المودَّةَ والرّحْمَةَ.
وَقالَ ابْنُ الجوْزِيِّ فِي (صَيْد الخاطِرِ) قَالَ: لوْلَا أنَّ الله ﷾ بحكْمَتِه قَضَى أنْ تَبْقَى هَذِهِ الخلِيقَةُ لكَانَ الاتِّصَالُ بَيْن الزَّوْجِ وزَوْجَتِه مِنْ أقْبَح الأُمورِ، فكُلُّ واحِدٍ منْهُما يكْشِفُ عوْرَتَهُ للآخَرِ، ثمَّ يحْصُل هَذا الشّيءُ الَّذي قدْ يكُونُ مسْتكْرهًا في أذْوَاقِ بعْضِ النّاسِ، لكنْ جَعل الله ﷾ هَذِهِ المودَّةَ بَيْنَهُما لأَجْلِ أنْ تَسْتقِيمَ الأُمورُ وتَنْمُوَ الخليقَةُ، وَهَذا صحِيحٌ، وَهَذا حقٌّ فلوْلَا أنَّ الله جعَل هَذا الأمْرَ مودَّةً مَا حصَل الاتِّصالُ بيْنَ الزَّوْجَيْنِ، ولِهَذا كلَّما كانَ الزَّوْجُ أوِ الزّوْجَة بعضُهم لبعْضٍ كارِهًا قَلَّ الاتِّصالُ بَيْنَهُما.
والجمْعُ بيْنَ المودَّةِ والرّحْمَةِ مِنْ أبْلَغ مَا يكُونُ لأنَّهُ إِذا كانَ أحدُهما محُتاجًا إِلَى الرَّحمَةِ حلَّتِ الرّحمَةُ وزادَتْ عَلَى المودَّةِ، والعَكْسُ بالعَكْسِ، وإِذا اجْتَمع مودَّةٌ ورحْمَةٌ فإِنَّهُ يَنْشَأُ مِن هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ صفَة أقْوَى مَمَّا لوِ انْفَردَتْ إحدَاهُما، ولِهَذا تجِدُ الإنْسانَ ينْظُر إِلَى الفقِيرِ نظرَةَ رحْمَةٍ لَا مودَّةٍ، لكِنْ إِذا اجْتمَعَتِ الرَّحمةُ مَع المودَّةِ تولَّدَ مِن هَذا صفَةٌ أعْلَى مِنَ انْفِرَادِ كُلِّ واحِدَةٍ بنَفْسِها.
1 / 110