﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم: ٥٢]، فالمنادي هُوَ الله جَلَّ وَعَلَا، والنداء لا يلزَم منه القُرب أو البُعد، وقد يَكُون الله ناداهُ من بَعيدٍ ثُمَّ قرَّبه نَجِيًّا، مثلَما قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢].
وقوله: [﴿أَنْ﴾ أي: بأن]، أفادنا المُفَسِّر ﵀ أنَّ (أنْ) هنا مخفَّفة من الثقيلةِ، حينما قَدَّرَ (الباء)، لِأَنَّ تقديرَ الباءِ يَدُلّ عَلَى أنَّ ما بعدها مؤَوَّل بمصدرٍ، وهناك قولٌ آخرُ حيثُ يجعلونَ (أنْ) هنا تفسيريَّة، مثل قوله تَعَالَى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧]، وَيقُولُونَ: إن ﴿نُودِيَ﴾ متضمِّن لمعنَى القَوْلِ دونَ حروفِهِ، و(أنْ) إذا سُبقت بما يَتَضَمَّنُ معنى القَوْل دون حروفِه فهي تفسيرَّية، ولكِن المَعْنى مِن حَيْثُ المَعْنى واحدٌ، إِنَّمَا الاختلاف فِي الإعرابِ.
فلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قولنا: إن (أن) تفسيريَّة أَلا يَدُلّ عَلَى أن المناداةَ بغيرِ اللُّغةِ العربيَّة؟
فالجواب: لمَّا سِيقتْ باللُّغةِ العربيَّة أَخذتْ حُكْمَ اللُّغة العربيَّة، والتفسير فِي الحقيقةِ لكلِّ الكَلامِ، يعني ترجمة الكَلام الَّذِي وقعَ منَ الله ﷾ لموسى فِي كُلّ هَذِهِ الجمَل، وَلَيْسَ فقط فِي قولِه: (بُورِكَ).
قوله: ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ قَالَ المفسِّر رَحَمَهُ أللَّهُ: [أي بارك الله ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾]، قدَّر هَذَا ليُتين أن فاعلَ البركةِ هُوَ الله جَلَّ وَعَلَا، وأنَّ (بارك) يتعدَّى بنفسِه، يقال: بارك الله فلانًا، كما يقال: بارك اللهُ بفلانٍ، فَهُوَ يتعدَّى بنفسِه ويتعدَّى بحرف الجرِّ.
قوله: ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾: ﴿مَنْ﴾ إعرابها بدونِ تقديرِ المفسِّر ﵀ اسم موصولٌ فِي محلِّ رفع نائب فاعلٍ.