219

Tafsir al-Uthaymeen: An-Naml

تفسير العثيمين: النمل

Penerbit

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م

Lokasi Penerbit

المملكة العربية السعودية

Genre-genre

إبراهيم ﷺ حَيْثُ قَالَ لأبيه: ﴿إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ [مريم: ٤٣]، ما قَالَ: أنت جاهل ولا تدري ولا تعرِف ﴿إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣]، وهَذَا فضل الله يُؤْتِيهِ مَن يشاء، وبعضُ النَّاسِ يَهَبُه الله ﷾ قُدْرَةً عَلَى التعبيرِ حَتَّى إن العبارات تكون بيدِه كالعجينِ، يُلان له القَوْل فِي كُلّ ما يريد، فتجده يستطيع حَتَّى لو أراد أن يُخْرِجَ لسانه كلمة لا يريدها بسرعة يجد بدلها، وبعض النَّاس لا يستطيع، فالله ﷾ يَهَبُ فَضْلَهُ مَن يشاءُ.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ﴾ عن شُكْرِهِ ﴿كَرِيمٌ﴾ بالإفضالِ عَلَى مَن يَكْفُرُها]، يعني مَن كفر ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ﴾: غنيٌّ عن شُكْرِه صَحِيح، أو غني مُطلقًا، ومن جملة ما هُوَ غنيٌّ عنه شُكْرُ هَذَا الْإِنْسَانِ عَلَى نعمةِ اللهِ، فإن الله تَعَالَى ما أنعمَ عَلَى العبادِ لحاجتِهِ إِلَى أن يَشْكُرُوهُ، بل لِفَضْلِهِ عليهم وظهورِ آثارِ أوصافه، وظهور صفاته العظيمة ما يَكُون إِلَّا بأفعالِه الَّتِي من جُمْلتها النعم أو النِّقم أيضًا، لِتَظْهَرَ بذلكَ صفاتُ الانتقامِ والغضبِ.
وقوله: ﴿كَرِيمٌ﴾ أي: أَنَّهُ قد يُبْقِي النعمةَ عَلَى مَن كَفَرَها تَكرُّمًا منه أحيانًا، وأحيانًا استدراجًا، والله ﵎ حَكيمٌ يَهَبُ فضلَه مَن يشاء، قد يُبْقِي اللهُ النعمةَ عَلَى الكافرِ بها استدراجًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨]، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢].
وقد يُبْقِي الله تَعَالَى النعمَ مَعَ الكفرِ تَرْبِيَةً، بحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَان يفتحُ الله عليه التأمُّل فيخجل من الله ﷿ أن يَكُون هُوَ يبادرُ الله تَعَالَى بالمَعاصِي، والله ﵎ يُدِرُّ عليه النعمَ، فيَرْتَدِع، وهَذَا هُوَ ظاهر قوله: ﴿كَرِيمٌ﴾، لِأَنَّ الكرم فِي مقابل الكفر

1 / 223