Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Furqan
تفسير العثيمين: الفرقان
Penerbit
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٦ هـ
Lokasi Penerbit
المملكة العربية السعودية
Genre-genre
الوجه الأول: أن في القُرْآن أسرارًا وإخبارًا بالغيب لا يمكن أن يأتيَ بها بَشَرٌ. ولهذا قَالَ اللَّه ﷿: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾، ففي أخبار هَذَا القُرْآن ما هو مِنَ الأسرار الَّتِي لا يطَّلِع عليها مُحَمَّد ﷺ ولا غيره، ولهذا عدل اللَّه ﷾ عن قوله: قُلْ أنزله اللَّه إلى قوله: ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾، يعني وَرَدَ في القُرْآن مِنَ الأخبار ما لم يكن معلومًا حينها، فيُخبِر بالخبر فيقع، فالرَّسول ﵊ لا يمكنه أن يعلم ذلك، وإنما الَّذِي يعلمه اللَّه، وهو الَّذِي أنزله، فنأخذ من قوله: ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ البُرهانَ القاطِعَ عَلَى أَنَّ هَذَا القُرْآن ليس من كَلام الرَّسول ﵊ وليس أساطيرَ الأوَّلين؛ لِأَنَّ فيه إخبارًا عن أمورٍ مستقبَلةٍ تقع كما أخبر، ولا أظنّ أنَّ بشرًا يتمكَّن من ذلك، هَذَا وجهٌ بَيِّن جدًّا.
وجهٌ آخرُ يمكِن أن يؤخَذ، وهو أَنَّهُ إذا كان هَذا القُرْآن من عند مُحَمَّد ﷺ وينسُبه إلى اللَّهِ، ويجاهد به وعليه أيضًا، فإن اللَّه لا يمكِن أن يُقِرَّه على هَذَا الأمر؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يعلَم السرَّ، وهذا الَّذِي فعله مُحَمَّد ﷺ على فرضِ أَنَّهُ ليس بصحيحٍ هل هو سرٌّ أو جهرٌ؟ هو جهرٌ، فإذا كان اللَّه يعلم السرَّ فَإِنَّهُ يعلم الجهرَ من باب أَولى، وإذا كان يعلم الجهرَ، ومُحَمَّد ﵊ يقول: إن هَذَا كَلام اللَّه، فإن اللَّه تَعَالَى لا يمكن أن يُهْمِلَه، ولكان اللَّه ﷾ يعاجله بالعقوبة؛ لِأَنَّ اللَّه ﷿ يقول: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ بعض الأقاويل ليس كلها ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٥ - ٤٦]، وهذا هو السِّرُّ في العُدُول عن قولِه: (قلْ: أنزله اللَّه) إلى قوله: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ المُفَسِّر ﵀ تَصَرَّفَ في إطلاق هَذِهِ الآية، فالآية ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وهو يقول هنا: [﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا﴾ للمؤمنين
1 / 46