Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
وكانت النعل لها حاضرة
ويختم الحق الآية الكريمة بقوله: { واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين } [البقرة: 194] أي لا تظنوا أن الله ملككم فيهم شيئا، بل أنتم وهم مملوكون جميعا لله. ويقول الحق من بعد ذلك: { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا... }.
[2.195]
وهذه الآية جاءت بعد آيات القتال، ومعناها: أعدوا أنفسكم للقتال في سبيل الله. وقوله الحق: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة: 195] تقتضي منا أن نعرف أن كلمة " تهلكة " على وزن تفعله ولا نظير لها في اللغة العربية إلا هذا اللفظ، لا يوجد على وزن تفعلة في اللغة العربية سوى كلمة " تهلكة " ، والتهلكة هي الهلاك، والهلاك هو خروج الشيء عن حال إصلاحه بحيث لا يدرى أين يذهب، ومثال ذلك هلاك الإنسان يكون بخروج روحه. والحق يقول:
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة..
[الأنفال: 42]. فالهلاك ضد الحياة، وعلى الإنسان أن يعرف أن الحياة ليست هي الحس والحركة التي نراها، إنما حياة كل شيء بحساب معين فحياة الحيوان لها قانونها، وحياة النبات لها قانونها، وحياة الجماد لها قانونها، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى جعل " يهلك " أمام " يحيى " وهو سبحانه القائل :
كل شيء هالك إلا وجهه..
[القصص: 88]. فلسنا نحن فقط الذين يهلكون، ولا الحيوانات، ولا النباتات وإنما كل شيء بما فيه الجماد، كأن الجماد يهلك مثلنا، وما دام يهلك فله حياة ولكن ليست مثل حياتنا، وإنما حياة بقانونه هو، فكل شيء مخلوق لمهمة يؤديها، فهذه هي حياته. وقوله الحق: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة: 195] يكشف لنا بعضا من روائع الأداء البياني في القرآن ففي الجملة الواحدة تعطيك الشيء ومقابل الشيء، وهذا أمر لا نجده في أساليب البشر فالحق في هذه الآية يقول لنا: { وأنفقوا في سبيل الله } [البقرة: 195] أي أنفقوا في الجهاد، كما يقول بعدها: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة: 195] لماذا؟ لأن الإنفاق هو إخراج المال إلى الغير الذي يؤدي لك مهمة تفيد في الإعداد لسبيل الله، كصناعة الأسلحة أو الإمدادات التموينية، أو تجهيز مبان وحصون، هذه أوجه إنفاق المال. والحق يقول: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة: 195]. وكلمة " ألقى " تفيد أن هناك شيئا عاليا وشيئا أسفل منه، فكأن الله يقول: لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وهل سيلقى الواحد منا نفسه إلى التهلكة، أو أن يلقي نفسه في التهلكة بين عدوه؟ لا، إن اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تلقي بصاحبها إلى التهلكة لأنه إن امتنع عن ذلك اجترأ العدو عليه، وما دام العدو قد اجترأ على المؤمنين فسوف يفتنهم في دينهم، وإذا فتنهم في دينهم فقد هلكوا، إذن فالاستعداد للحرب أنفى للحرب، وعندما يراك العدو قويا فهو يهابك ويتراجع عن قتالك. والحق سبحانه - كما يريد منا في تشريع القتال أن نقاتل - يأمرنا أن نزن أمر القتال وزنا دقيقا بحسم، فلا تأخذنا الأريحية الكاذبة ولا الحمية الرعناء، فيكون المعنى: ولا تقبلوا على القتال إلا إن كان غالب الظن أنكم ستنتصرون، فحزم الإقدام قد يطلب منك أن تقيس الأمور بدقة، فالشجاعة قد تقتضي منك أن تحجم وتمتنع عن القتال في بعض الأحيان، لتنتصر من بعد ذلك ساعة يكمل الإعداد له.
والمعنى الأول يجعلك تنفق في سبيل الله ولا تلقي بيدك إلى التهلكة بترك القتال. والمعنى الثاني أي لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بأن تقبلوا على القتال بلا داع أو بلا إعداد كاف. إن الحق يريد من المؤمنين أن يزنوا المسائل وزنا يجعلهم لا يتركون الجهاد فيهلكوا لأن خصمهم سيجترئ عليهم، ولا يحببهم في أن يلقوا بأيديهم إلى القتال لمجرد الرغبة في القتال دون الاستعداد له. وهذا هو الحزم الإيماني، إنها جملة واحدة أعطتنا عدة معان. ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله: { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } [البقرة: 195] الحق يقول: { وأحسنوا } [البقرة: 195]. والإحسان كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أن تعبد الله - أي تطيع أوامره - كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
Halaman tidak diketahui