Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
[المائدة: 60]. وهذه الآيات نزلت في بني إسرائيل. وقول الله تعالى: " ولا الضالين " هناك الضال والمضل.. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله.. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله.. ويقال ضل الطريق أي مشى فيه وهو لا يعرف السبيل إلى ما يريد أن يصل إليه.. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم.. هذا هو الضال.. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى.. بل يحاول أن يأخذ غيره إلى الضلالة.. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله.. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه.. إلا المضل فإنه يحمل ذنوبه وذنوب من أضلهم مصداقا لقوله سبحانه:
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا سآء ما يزرون
[النحل: 25]. أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا.. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأت هنا بالمضلين. نقول إنك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا.. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين.
لأنك ما دمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا. بقي أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن. وكلمة آمين معناها استجب يارب فيما دعوناك به من قولنا: { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 6-7] أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب.. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها.. أهي عربية أم غير عربية. وهنا يثور سؤال.. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليس من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه إذا خوطب به العرب فهموه.. وهناك ألفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن.. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الأذان العربية. فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها.. وإنما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعا. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي.. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية. واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف.. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة.. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل.. إذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل.. وإذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة.. ولكن إذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل.. وإذا قلت " في " دلت على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد أن تقول الماء في الكوب.. أو فلان على الفرس.. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له.. والفعل يحتاج إلى زمن، ولكن الاسم لا يحتاج إلى زمن. إذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه.. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه.. والحرف دل على معنى غير مستقل.. ما هي علامة الفعل؟!.. هي أنك تستطيع أن تسند إليه تاء الفاعل.
. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم.. ولكن الاسم لا يضاف إليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت.. اذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج إلى زمن.. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فإنه يكون اسم على فعل. آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلوله مدلول الفعل.. معناه استجب.. فأنت حين تسمع كلمة " آه " إنها اسم لفعل بمعنى أتوجع.. وساعة تقول " أف " اسم فعل بمعنى أتضجر.. وآمين اسم فعل بمعنى استجب.. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين.. أي أنا دعوت يارب فاستجب دعائي.. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فإنك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. وإذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الإمام وهو يقرأ الفاتحة.. ثم تقول آمين. لأن المأموم أحد الداعين.. الذي دعا هو الإمام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء.. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على أموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى:
قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعآن سبيل الذين لا يعلمون
[يونس: 89]. أي أن الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجه إلى موسى وهارون، ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا.. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء.
[2 - سورة البقرة]
[2.1]
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى: { الم } [البقرة: 1].. وهذه الحروف حروف مقطعة.. ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده. لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات.. فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه.. فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها. تقول كاف وتاء وباء.. ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف.. فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازا من الله سبحانه وتعالى.. بأن هذا القرآن موحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف. ولكن تعال إلى أي أمي لم يتعلم.. إنه يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف.. يقول الكتاب وكوب وغير ذلك.. فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك. إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء.. وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى. ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف. تنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في آية أخرى تنطق بمسمياتها. ف " الم " في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى:
Halaman tidak diketahui