194

[البقرة: 126].. لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما.. والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة.. لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعا عاجلا فإن حلاوة الإيمان - إن كان مؤمنا - ستجذبه مرة أخرى إلى الإيمان بعيدا عن المعاصي.. ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت، فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط، ولكن يبدل سيئاتك حسنات.. وقلنا إن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير.. لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالدا في النار، ولا توبة بعده لتجبر العصاة وازدادوا شرا.. ولأصيب المجتمع كله بشرورهم وليئس الناس من آخرتهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "

لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية.

[2.129]

دعا إبراهيم عليه السلام الله سبحانه وتعالى ليتم نعمته على ذريته ويزيد رحمته على عباده.. بأن يرسل لهم رسولا يبلغهم منهج السماء، حتى لا تحدث فترة ظلام في الأرض تنتشر فيها المعصية والفساد والكفر، ويعبد الناس فيها الأصنام كما حدث قبل إبراهيم. كلمة { رسولا منهم } [البقرة: 129] ترد على اليهود الذين أحزنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب، وأن الرسالة كان يجب أن تكون فيهم.. ونحن نقول لهم إن جدنا وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية يعقوب بن إسحاق. ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لإسحاق.. ولا حجة لما تدعونه من أن الله فضلكم واختاركم على سائر الشعوب.. إنما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يسلب منكم النبوة لأنكم ظلمتم في الأرض، وعهد الله لا ينال الظالمين. أراد الحق تبارك وتعالى أن يقول لهم إن هذا النبي من نسل إبراهيم وإنه ينتمي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقوله تعالى: { يتلوا عليهم آياتك } [البقرة: 129].. أي آيات القرآن الكريم. وقوله تعالى: { ويعلمهم الكتاب والحكمة } [البقرة: 129].. يجب أن نعرف أن هناك فرقا بين التلاوة وبين التعليم.. فالتلاوة هي أن تقرأ القرآن، أما التعليم فهو أن تعرف معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف من أين جاءت.. وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم، فإن الحكمة هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال الحق سبحانه وتعالى فيها في خطابه لزوجات النبي:

واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة..

[الأحزاب: 34]. وقوله تعالى: { ويزكيهم } [البقرة: 129] أي ويطهرهم ويقودهم إلى طريق الخير وتمام الإيمان. وقوله جل جلاله: { إنك أنت العزيز الحكيم } [البقرة: 129].. أي العزيز الذي لا يغلب لجبروته ولا يسأله أحد.. " والحكيم " الذي لا يصدر منه الشيء إلا بحكمة بالغة.

[2.130]

ما هي ملة إبراهيم؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف فإبراهيم وفى كل ما كلفه به الله وزاد عليه.. وقابل الابتلاء بالطاعة والصبر.. فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد، وكان يؤدي التكاليف بعشق، ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته. قوله تعالى: { ومن يرغب } [البقرة: 130] يعني يعرض ويرفض. ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده. ورغب عن كذا أي صد عنه وأعرض.. والذين يصدون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء الجهلة، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى: { إلا من سفه نفسه } [البقرة: 130].. دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار.. فعندما يكون هناك من ورثوا مالا وهم غير ناضجي العقل لا يتفق عقلهم مع سنهم نسميهم السفهاء.. والسفيه هو من لم ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته على ماله إلى ولي أو وصي لأنه بسفهه غير قادر على أن ينفق المال فيما ينفع.. والقرآن الكريم يعالج هذه المسألة علاجا دقيقا فيقول:

ولا تؤتوا السفهآء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا

Halaman tidak diketahui