Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
[الفرقان: 63-65]. وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى أوصاف المؤمنين وسماهم عبادا.. ولكن عندما يتحدث عن البشر جميعا يقول عبيد.. مصداقا لقوله تعالى:
ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد
[آل عمران: 182]. ولكن قد يقول قائل: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:
ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل
[الفرقان: 17]. الحديث هنا عن العاصين والضالين. ولكن الله سبحانه وتعالى قال عنهم عباد. نقول إن هذا في الآخرة.. وفي الآخرة كلنا عباد لأننا مقهورون لطاعة الله الواحد المعبود تبارك وتعالى.
. لأن الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار.. ونصبح جميعا عبادا لله مقهورين على طاعته لا اختيار لنا في شيء. والله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان اختياره - في الحياة الدنيا - في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف.. بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالى.. ولذلك نجد أن الله جل جلاله لا يخاطب الناس جميعا في التكليف.. وإنما يخاطب الذين آمنوا فقط فيقول:
يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون
[البقرة: 183]. ويقول سبحانه:
يآأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين
[البقرة: 153]. أي أن الله جل جلاله لا يكلف إلا المؤمن الذي يدخل في عقد إيماني مع الله. وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة فهو صلى الله عليه وسلم الذي حقق العبادية المرادة لله من خلق الله كما يحبها الله. إذن، فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عليه الصلاة والسلام، نقول إن هذا صحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق العبادية المثلى المطلوبة من الله تبارك وتعالى.. والتي هي علة الخلق.. وهكذا نعرف المقامات العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند خالقه. والله تبارك وتعالى قرن العبادة له وحده بالاستعانة به سبحانه.. فقال جل جلاله: { إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة: 5] أي لا نعبد سواك ولا نستعين إلا بك. والاستعانة بالله سبحانه وتعالى تخرجك عن ذل الدنيا فأنت حين تستعين بغير الله فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود بشريته. ولأننا نعيش في عالم أغيار فإن القوي يمكن أن يصبح ضعيفا.. وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح في لحظة واحدة طريدا شريدا لا نفوذ له.. ولو لم يحدث هذا. فقد يموت ذلك الذي تستعين به فلا تجد أحدا يعينك. ويريد الله تبارك وتعالى أن يحرر المؤمن من ذل الدنيا.. فيطلب منه أن يستعين بالحي الذي لا يموت.. وبالقوي الذي لا يضعف، وبالقاهر الذي لا يخرج عن أمره أحد.. وإذا استعنت بالله سبحانه وتعالى كان الله جل جلاله بجانبك. وهو وحده الذي يستطيع أن يحول ضعفك إلى قوة وذلك إلى عز.. والمؤمن دائما يواجه قوي أكبر منه.. ذلك أن الذين يحاربون منهج الله يكونون من الأقوياء ذوي النفوذ الذين يحبون أن يستعبدوا غيرهم.. فالمؤمن سيدخل معهم في صراع.. ولذلك فإن الحق يحض عباده المؤمنين بأنه معهم في الصراع بين الحق والباطل.. وقوله تعالى: " وإياك نستعين " مثل: " إياك نعبد ".. أي نستعين بك وحدك وهي دستور الحركة في الحياة.. لأن استعان معناها طلب المعونة، أي أن الإنسان استنفد أسبابه ولكنها خذلته.. حينئذ لابد أن يتذكر أن له ربا لا يعبد سواه. لن يتخلى عنه بل يستعين به.. وحين تتخلى الأسباب فهناك رب الأسباب وهو موجود دائما.. لا يغفل عن شيء ولا تفوته همسة في الكون.. ولذلك فإن المؤمن يتجه دائما إلى السماء.. والله سبحانه وتعالى يكون معه.
Halaman tidak diketahui