Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
[2.104]
هذا نداء للمؤمنين.. لأن الآية الكريمة تبدأ: { ياأيها الذين آمنوا } [البقرة: 104].. وعندما ينادي الحق المؤمنين بقوله: { ياأيها الذين آمنوا } [البقرة: 104].. نعرف أن الإيمان هنا هو سبب التكليف.. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن.. ولا يأمر بتكليف إلا لمن آمنوا.. فما دام العبد قد آمن فقد أصبحت مسئولية حركته في الحياة عند ربه.. ولذلك يوحي إليه بمنهج الحياة.. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء. إذن قوله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا } [البقرة: 104].. أمر لمن آمن بالله ورضي به إلها ومشرعا.. قوله: { ياأيها الذين آمنوا } [البقرة: 104].. نداء للمؤمنين وقوله: { لا تقولوا راعنا } [البقرة: 104].. نهي.. وكأن راعنا كانت مقولة عندهم يريد الله أن ينهاهم عنها.. والإيمان يلزمهم أن يستمعوا إلى نهي الله. ما معنى راعنا؟ نحن نقول في لغتنا الدارجة راعينا.. يعني احفظنا وراقبنا وخذ بيدنا وكلها مأخوذة من مادة الرعاية والراعي.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
وأصل المادة مأخوذة من راعي الغنم.. لأن راعي الغنم لابد أن يتجه بها إلى الأماكن التي فيها العشب والماء.. أي إلى أماكن الرعي.. وأن يكون حارسا عليها حتى لا تشرد واحدة أو تضل فتفتك بها ذئاب الصحاري.. وأن يوفر لها الراحة حتى لا تتعب وتنفق في الطريق.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة "
ولكن لماذا استبدل الحق سبحانه وتعالى كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟ إن عند اليهود في العبرانية والسريانية كلمة راعنا ومعناها الرعونة.. ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة راعنا.. اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. والمسلمون لا يدرون شيئا.. لذلك أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتركوا هذه الكلمة.. حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم، وأمرهم بأن يقولوا: انظرنا. ثم قال الحق سبحانه وتعالى: " واسمعوا ".. والله هنا يشير إلى الفرق بين اليهود والمؤمنين.. فاليهود قالوا سمعنا وعصينا، ولكن الله يقول للمؤمنين اسمعوا سماع طاعة وسماع تنفيذ. سعد بن معاذ سمع واحدا من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم - راعنا - وسعد كان من أحبار اليهود ويعرف لغتهم - فلما سمع ما قاله فهم مراده. فذهب إلى اليهودي وقال له لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك.. وقال اليهودي أو لستم تقولونها لنبيكم؟ أهي حرام علينا وحلال لكم؟ فنزلت الآية الكريمة تقول : { لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } [البقرة: 104].. ولو تأملنا كلمة راعنا وكلمة انظرنا لوجدنا المعنى واحدا.. ولكن انظرنا تؤدي المعنى وليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقوله تعالى: { وللكافرين عذاب أليم } [البقرة: 104].. أي من يقولون راعنا إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عذاب أليم.
[2.105]
ثم كشف الحق سبحانه وتعالى للمؤمنين العداوة التي يكنها لهم أهل الكتاب من اليهود والمشركين.. الذين كفروا لأنهم رفضوا الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام.. فيلفتهم إلى أن اليهود والمشركين يكرهون الخير للمؤمنين.. فتشككوا في كل أمر يأتي منهم، واعلموا أنهم لا يريدون لكم خيرا.. قوله تعالى: " ما يود ".. أي ما يحب، والود معناه ميل القلب إلى من يحبه.. والود يختلف عن المعروف.. أنت تصنع معروفا فيمن تحب ومن لا تحب.. ولكنك لا تود إلا من تحب.. لذلك قال الله تبارك وتعالى:
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آبآءهم أو أبنآءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم..
[المجادلة: 22]. ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليقول عن الوالدين:
Halaman tidak diketahui