Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله..
[الأنفال: 16]. إذن فالتولي هو الإعراض.. والحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بين لنا أن الإعراض يتم بنوايا مختلفة.. المقاتل يوم الزحف يعرض أو يتولى ليس بنية الهرب من المعركة.. ولكن بنية أن يذهب ليقاتل في مكان آخر أو يعاون إخوانه الذين تكاثر عليهم الأعداء.. هذا إعراض ولكن ليس بنية الهرب من المعركة.. ولكن بنية القتال بشكل أنسب للنصر.. نفرض أن إنسانا مدين لك رأيته وهو قادم في الطريق فتوليت عنه.. أنت لم تعرض عنه كرها.. ولكن رحمة لأنك لا تريد المساس بكرامته.. إذن هناك تول أو إعراض ليس بنية الإعراض. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هؤلاء اليهود تولوا بنية الإعراض، ولم يتولوا بأي نية أخرى.. أي أنهم أعرضوا وهم متعمدون أن يعرضوا.. وليس لهدف آخر.
[2.84]
قلنا ساعة تسمع " إذ " فاعلم أن معناها اذكر.. وقلنا إن الميثاق هو العهد الموثق.. وقوله تعالى: { لا تسفكون دمآءكم } [البقرة: 84].. والله تبارك وتعالى ذكر قبل ذلك في الميثاق عبادة الله وحده.. وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين.. وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة إلى آخر ما جاء في الآية الكريمة.. وكلها أوامر أي وكلها افعل.. استكمالا للميثاق.. يقول الله في هذه الآية الكريمة ما لا تفعل.. فالعبادة كما قلنا هي إطاعة الأوامر والامتناع عن النواهي.. أو ما نهى عنه الميثاق: { لا تسفكون دمآءكم } [البقرة: 84] ومعناها لا يسفك كل واحد منكم دم أخيه.. لا يسفك بعضكم دم بعض. ولكن لماذا قال الله: " دماءكم "؟ لأنه بعد ذلك يقول: { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } [البقرة: 84].. الحكم الإيماني يخاطب الجماعة الإيمانية على أنها وحدة واحدة.. لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى "
فكأن المجتمع الإيماني وحدة واحدة.. والله سبحانه وتعالى يقول:
فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة..
[النور: 61]. ولكن إذا كنت أنا الداخل فكيف أسلم على نفسي؟ كأن الله يخاطب المؤمنين على أساس أنهم وحدة واحدة.. وعلى هذا الأساس يقول سبحانه: { لا تسفكون دمآءكم } [البقرة: 84].. أي لا تقتلوا أنفسكم.. السفك معناه حب إراقة الدم.. " ودماءكم " هو السائل الموجود في الجسم اللازم للحياة.. وقوله تعالى: { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } [البقرة: 84] يعني لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم.. ثم ربط المؤمنين من بني إسرائيل بقوله تعالى: { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } [البقرة: 84].. أقررتم أي اعترفتم: { وأنتم تشهدون } [البقرة: 84] الشهادة هي الإخبار بمشاهد.. والقاضي يسأل الشهود لأنهم رأوا الحادث فيروون ما شاهدوا.. وأنت حين تروي ما شاهدت.. فكأن الذين سمعوا أصبح ما وقع مشهودا وواقعا لديهم.. وشاهد الزور يغير المواقع. الحق سبحانه وتعالى يخاطب اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. ويذكرهم بما كان من آبائهم الأولين.. وموقفهم من أخذ الميثاق حين رفع فوقهم جبل الطور وهي مسألة معروفة.. والقرآن يريد أن يقول لهم إنكم غيرتم وبدلتم فيما تعرفون.. فالذي جاء على هواكم طبقتموه.. والذي لم يأت على هواكم لم تطبقوه.
[2.85]
يخاطب الحق جل جلاله اليهود ليفضحهم لأنهم طبقوا من التوراة ما كان على هواهم.. ولم يطبقوا ما لم يعجبهم ويقول لهم: { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [البقرة: 85]. إنه يذكرهم بأنهم وافقوا على الميثاق وأقروه. ولقد نزلت هذه الآية عندما زنت امرأة يهودية وأرادوا ألا يقيموا عليها الحد بالرجم.. فقالوا نذهب إلى محمد ظانين أنه سيعفيهم من الحد الموجود في كتابهم.. أو أنه لا يعلم ما في كتابهم.. فلما ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا الحكم موجود عندكم في التوراة.. قالوا عندنا في التوراة أن نلطخ وجه الزاني والزانية بالقذارة ونطوف به على الناس.. قال لهم رسول الله لا.. عندكم آية الرجم موجودة في التوراة فانصرفوا.. فكأنهم حين يحسبون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخفف حدا من حدود الله.. يذهبون إليه ليستفتوه. والحق سبحانه وتعالى يقول: { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [البقرة: 85].. أي بعد أن أخذ عليكم الميثاق ألا تفعلوا.. تقتلون أنفسكم.. يقتل بعضكم بعضا، أو أن من قتل سيقتل. فكأنه هو الذي قتل نفسه.. والحق سبحانه قال: { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [البقرة: 85].. لماذا جاء بكلمة هؤلاء هذه؟ لإنها إشارة للتنبيه لكي نلتف إلى الحكم. وقوله تعالى: { وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } [البقرة: 85] وحذرهم بقوله:
Halaman tidak diketahui