Tafsir Al-Shaarawi
تفسير الشعراوي
Genre-genre
. وعن هؤلاء يقول الحق سبحانه:
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مآء حتى إذا جآءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب
[النور: 39]. وهكذا من يفعل شيئا وليس في باله الله.. فسيفاجأ يوم القيامة بأن الله تبارك وتعالى الذي لم يكن في باله موجود وأنه جل جلاله هو الذي سيحاسبه. وقوله تعالى: { ملك يوم الدين } [الفاتحة: 4] هي أساس الدين.. لأن الذي لا يؤمن بالآخرة يفعل ما يشاء.. فما دام يعتقد أنه ليس هناك آخره وليس هناك حساب.. فمم يخاف؟.. ومن أجل من يقيد حركته في الحياة. إن الدين كله بكل طاعاته وكل منهجه قائم على أن هناك حسابا في الآخرة.. وأن هناك يوما نقف فيه جميعا أمام الله سبحانه وتعالى.. ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع.. هذا هو الحكم في كل تصرفاتنا الإيمانية.. فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه.. فلماذا نصلي؟.. ولماذا نصوم؟.. ولماذا نتصدق؟. إن كل حركة من حركات منهج السماء قائمة على أساس ذلك اليوم الذي لن يفلت منه أحد.. والذي يجب علينا جميعا أن نستعد له.. إن الله سبحانه وتعالى سمى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين يوم الفوز العظيم.. والذي يجعلنا نتحمل كل ما نكره ونجاهد في سبيل الله لنستشهد.. وننفق أموالنا لنعين الفقراء والمساكين.. كل هذا أساسه أن هناك يوما سنقف فيه بين يدي الله.. والله تبارك وتعالى سماه يوم الدين.. لأنه اليوم الذي سيحاسب فيه كل إنسان على دينه عمل به أم ضيعه.. فمن آمن واتبع الدين سيكافأ بالخلود في الجنة.. ومن أنكر الدين وأنكر منهج الله سيجازى بالخلود في النار.. ومن عدل الله سبحانه وتعالى أن هناك يوما للحساب.. لأن بعض الناس الذين ظلموا وبغوا في الأرض ربما يفلتون من عقاب الدنيا.. هل هؤلاء الذين أفلتوا في الدنيا من العقاب هل يفلتون من عدل الله؟.. أبدا لن يفلتوا.. بل إنهم انتقلوا من عقاب محدود إلى عقاب خالد.. وأفلتوا من العقاب بقدرة البشر في الدنيا.. إلى عقاب بقدرة الله تبارك وتعالى في الآخرة.. ولذلك لابد من وجود يوم يعيد الميزان.. فيعاقب فيه كل من أفسد في الأرض وأفلت من العقاب.. بل إن الله سبحانه وتعالى يجعل إنسانا يفلت من عقاب الدنيا.. فلا تعتقد أن هذا خير له بل إنه شر له.. لانه أفلت من عقاب محدود إلى عقاب أبدي. والحمد الكبير لله بأنه { ملك يوم الدين } [الفاتحة: 4].. وهو وحده الذي سيقضي بين خلقه.
فالله سبحانه وتعالى يعامل خلقه جميعا معاملة متساوية.. وأساس التقوى هو يوم الدين. وقبل أن نتكلم عن قول الحق تبارك وتعالى: { إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة: 5].. لابد أن نتحدث عن قضية مهمة.. فهناك نوعان من الرؤية.. الرؤية العينية أي بالعين.. والرؤية الإيمانية أي بالقلب.. وكلاهما مختلف عن الآخر.. رؤية العين هي أن يكون الشيء أمامك تراه بعينيك، وهذه ليس فيها قضية إيمان.. فلا تقول إنني أؤمن أنني أراك أمامي لأنك تراني فعلا.. مادمت تراني فهذا يقين.. ولكن الرؤية الإيمانية هي أن تؤمن كأنك ترى ما هو غيب أمامك.. وتكون هذه الرؤية أكثر يقينا من رؤية العين.. لأنها رؤية إيمان ورؤية بصيرة.. وهذه قضية مهمة جدا.
" وقد روى عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله. وأن محمدا رسول الله. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: أخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت مليا.. ثم قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. "
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
. هو بيان للرؤية الإيمانية في النفس المؤمنة.. فالإنسان حينما يؤمن، لابد أن يأخذ كل قضاياه برؤية إيمانية.. حتى إذا قرأ آية عن الجنة فكأنه يرى أهل الجنة وهم ينعمون.. وإذا قرأ آية عن أهل النار اقشعر بدنه.. وكأنه يرى أهل النار وهم يعذبون. ذات يوم
" شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته وكان اسمه الحارث.. فقال له: كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا قال الرسول: فانظر ما تقول. فإن لكل قول حقيقة. فما حقيقة إيمانك؟ قال الحارث: عزفت نفسي عن الدنيا. فأسهرت ليلي. وأظمأت نهاري. وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها. وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. يتصايحون فيها. قال النبي " يا حارث عرفت فالزم "
ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى وهو يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
Halaman tidak diketahui