314

52

قوله : { فترى الذين في قلوبهم مرض } يعني المنافقين { يسارعون فيهم } أي في أهل الكتاب ، أي يسارعون في مودتهم ونصيحتهم { يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } لليهود فينصروا علينا ، فنكون قد اتخذنا بيننا وبينهم مودة .

قال الله : { فعسى الله أن يأتي بالفتح } أي علي أهل الكتابين { أو أمر من عنده } يقول : فيباين المنافقون بنفاقهم فيقتلون . { فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم } أي على ما أسروا في أنفسهم من موادتهم لليهود ومن غشهم للإسلام { نادمين } . وهم أناس من اليهود كانوا يوادون اليهود ويناصحونهم دون المؤمنين . قال الله : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، أي : بالفصل . وقال مجاهد : { نخشى أن تصيبنا دائرة } أي : نخشى أن تكون الدائرة لليهود . قال الله فعسى الله أن يأتي بالفتح حينئذ .

وفي تفسير الكلبي في هذه الآية : إنها نزلت وقد علم الله أن المؤمنين برآء من ولاية اليهود والنصارى . قال : { فترى الذين في قلوبهم مرض } يعني المنافقين { يسارعون فيهم } أي في مودة اليهود ، فجاء الله بالفتح فنصر نبيه ، وجاء أمر الله من عنده ، فأجلى بني النضير ، وقتل بني قريظة وسبى ذراريهم ، فندم المنافقون حين باينوا بنفاقهم وأظهروه للمؤمنين . ولما أجلى بني النضير وأجلى أهل ودهم عن أرضهم فعند ذلك قال الذين آمنوا بعضهم لبعض : { أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } .

قوله : { يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } . هو كقوله : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } [ الفتح : 29 ] { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } .

قال بعضهم : أنزل الله هذه الآية وقد علم أنه سيرتد مرتدون . فلما قبض رسول الله A ارتد الناس عن الإسلام إلا أهل ثلاثة مساجد ، مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جواثا من عبد القيس من البحرين فقالوا : أما الصلاة فنصلي وأما الزكاة فوالله لا نعطي أموالنا . فكلم أبو بكر أن يتجاوز عنهم وأن يخلي عنهم وقيل له : إنهم لو قد فقهوا أعطوا الزكاة طائعين . فأبى أبو بكر وقال : لا أفرق بين اثنين جمع بينهما الله وجمع بينهما رسوله : الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه .

وذكروا أن أبا بكر إنما قال : لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله أنه من وجب عليه في الزكاة بعير وجب عليه أن يعطي مع البعير عقالا . فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى أقروا بالماعون ، وهي الزكاة المفروضة .

ثم إن وفود العرب أتوه بعد ذلك فخيرهم بين حرب مجلية أو خطة مخزية فاختاروا الخطة المخزية؛ وكانت أهون عليهم أن يشهدوا أن قتلاهم في النار وأن قتلى المسلمين في الجنة؛ وأن ما أصابوا من مال المسلمين فرد عليهم ، وأن ما أصاب المسلمون من أموالهم فهو لهم حلال .

Halaman 314