26
قوله : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } . وما هاهنا كلمة عربية ليس لها معنى؛ زيادة في الكلام . وهو في كلام العرب سواء : بعوضة فما فوقها وما بعوضة فما فوقها . وذلك أن الله لما ذكر في كتابه العنكبوت والنملة والذباب قال المشركون : ماذا أراد الله بذكر هذا في كتابه ، وليس يقرون أن الله أنزله ، ولكن يقولون للنبي عليه السلام : إن كنت صادقا فماذا أراد الله بهذا مثلا . فأنزل الله : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } .
{ فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا } قال الله : { يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين } أي : إلا المشركين . وهذا فسق الشرك ، وهو فسق فوق فسق ، وفسق دون فسق . والمعاصي كلها فسق .
ثم قال : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } وهو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم . وتفسيره في سورة الأعراف .
قال : { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } قال ابن عباس : ما أمر الله به من الإيمان بالأنبياء كلهم ، لا نفرق بين أحد منهم . وقال بعضهم : ما أمر الله به من صلة القرابة .
قال : { ويفسدون في الأرض } والفساد فيها العمل بمعاصي الله ، وأعظم المعاصي الشرك . { أولئك هم الخاسرون } ؛ أي : خسروا أنفسهم أن يغنموها فيصيروا في الجنة فصاروا في النار ، وخسروا أنفسهم من الحور العين . وتفسيره في سورة الزمر .
ثم قال : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } يعني كنتم أمواتا في أصلاب آبائكم ، نطفا في تفسير بعضهم ، وفي تفسير الكلبي : نطفا وعلقا ومضغا وعظاما ، ثم أحياهم فأخرجهم إلى الدنيا ، ثم أماتهم ، ثم يحييهم يوم القيامة . وهو قوله : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } [ غافر : 11 ] . وعلى هذا أمر العامة . فأما خواص من الناس فقد أميتوا عقوبة؛ صعق بهم ، ثم بعثوا حتى استوفوا بقية آجالهم ، وليس ببعث النشور . منهم السبعون الذين كانوا مع موسى ، وتفسيره في سورة الأعرف ، وعزير ، و { الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } [ البقرة : 243 ] ، وتفسير ذلك في غير هذا الموضع بعد هذا . وقد أحيى الله أقواما عبرة للناس وليس بحياة النشور؛ منهم أصحاب الكهف ، وصاحب بقرة بني إسرائيل ، ومن كان يحيي عيسى عليه السلام بإذن الله ، ثم أماتهم الله مكانهم ، فلم يعيشوا ولم يأكلوا ولم يشربوا .
Halaman 15