وما يكون من باب إقامة الحجة وعرض الأدلة، فيسوقها بأجلى عبارة وأوقعها في النفس، خالية من السب والقدح، ومن الغمز والتعريض، ومن أدق تلميح إلى شيء قبيح.
وهذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم، أو بينهم وبين غيرهم.
وقد جاء في الصحيح: «أن رهطا من اليهود دخلوا على النبي- ﵌ فقالوا: السام (١) عليكم ففهمتها عائشة- ﵂ فقالت: وعليكم السام واللعنة. فقال لها رسول الله- ﵌: مهلًا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقالت: ألم تسمع ما قالوا؛ فقال: قد قلت: وعليكم» (٢).
فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم، وهو قوله وعليكم، أحسن من الرد عليهم باللعنة. فقال- ﵌ القولة التي هي أحسن، وهذا أدب الإسلام للمسلمين مع جميع الناس.
وأفاد قوله تعالى: ﴿أحسن﴾ بصيغة اسم التفضيل أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة، فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام.
فحاصل هذا التأديب الرباني هو اجتناب الكلام السيء جملة، والاقتصار على الحسن، وانتقاء واختيار الأحسن من بين ذلك الحسن. وهذا يستلزم استعمال العقل والروية عند كل كلمة تقال، ولو كلمة واحدة:
فرب كلمة واحدة أوقدت حربًا، وأهلكت شعبًا، أو شعوبًا.
ورب كلمة واحدة أنزلت أمنًا وأنقذت أمة أو أمما.
وقد بين لنا النبي- ﵌ مكانة الكلمة الواحدة من الأثر في قوله: «الكلمة الطيبة صدقة» (٣) و«اتقوا النار ولو بكلمة طيبة» (٤).
وهذا الأدب الإسلامي- وهو التروي عند القول، واجتناب السيء واختيار الأحسن- ضروري لسعادة العباد وهنائهم. وما كثرت الخلافات وتشعبت الخصومات وتنافرت المشارب،