252

Tafsir Sadra al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Genre-genre

وما قدروا الله حق قدره

[الأنعام:91] لا والله ما قدروا الله حق قدره، ولا هذا قدر جلالته وعظمته، ولا جزاء إحسانه ونعمته.

والعجب، أنهم زعموا أن هذا ما عليه أكابر العرفاء ومحققو الصوفية من القول بالتوحيد الأفعالي، وليس كذلك، كما يظهر من تتبع كلماتهم وتصفح مقالاتهم، قال الشيخ العظيم محيي الدين الأعرابي في الباب التاسع عشر وثلاثمأة من الفتوحات المكية: " إن رافع الأسباب سيء الأدب مع الله، ومن عزل من ولاه الله تعالى فقد أساء الأدب وكذب في عزل ذلك الوالي، فانظر ما أجهل من كفر بالأسباب وقال بتركها، ومن ترك ما قرره الحق، فهو منازع لا عبد، وجاهل لا عالم واني أعظك أن تكون من الجاهلين، وأراك في مذهب الجبر تكذب نفسك في ترك الأسباب، فإني أراك في وقت حديثك معي في تركها ورميها يأخذك العطش، فتترك كلامي وتجري الى لماء فتشرب منه لتدفع بذلك الم العطش، وكذلك إذا جعت تناولت الخبز، وغايتك أن لا تتناوله بيدك حتى تجعل في فيك، فما حصل في فمك مضغته وابتلعته فما اسرع ما اكذبت به نفسك بين يدي.

وكذلك إذا أردت أن تنظر الى شيء افتقرت الى فتح عينك، فهل فتحها إلا سبب، فكيف تنفي الأسباب بالأسباب؟ أترضى لنفسك بهذه الجهالة؟ فالأديب الإلهي العالم من اثبت ما اثبته الله في الموضع الذي أثبته، وعلى الوجه الذي أثبته، ثم تكذب نفسك في عبادة ربك. أليست عبادتك سببا في سعادتك وأنت تقول بترك الأسباب؟ فلم لا تقطع العمل.

أرأيت أحدا من رسول ولا نبي ولا ولي ولا مؤمن ولا كافر ولا شقي خرج قط عن رق الأسباب مطلقا، أدناها التنفس؟ فيا تارك السبب لا تتنفس؛ فإن التنفس سبب لحياتك فأمسك نفسك حتى تموت فتكون قاتل نفسك فتحرم عليك الجنة. وإذا فعلت هذا فأنت تحت حكم السبب... "

" فما اظنك عاقلا إن كنت تزعم أن ترفع ما نصبه الله وأقامه علما مشهودا، ودع عنك ما تسمع من كلام أهل الله، فإنهم لم يردوا بذلك ما توهمته، بل جهلت ما أرادوا بقطع الأسباب، كما جهلت ما أراد الحق بوضع الأسباب، ولقد ألقيت بك على مدرجة الحق، واتيت لك الطريقة التي وضعها لعباده وأمرهم بالمشي عليها فاسلك:

وعلى الله قصد السبيل ومنها جآئر ولو شآء لهداكم أجمعين

[النحل:9].

وقال في الباب السادس والتسعين ومائتين: " ولقد نبهني الولد العزيز العارف شمس الدين إسماعيل بن سودكين التوري على أمر كان عندي من غير الوجه الذي نبهنا عليه هذا الولد؛ وهو التجلي في الفعل، هل يصح أو لا يصح؟ فوقتا كنت أنفيه بوجه، ووقتا كنت اثبته بوجه يقتضيه التكليف، إذ كان التكليف بالعمل لا يمكن أن يكون من حكيم يقول: " اعمل وافعل " لمن يعلم انه لا يعمل ولا يفعل، إذ لا قدرة له عليه.

وقد ثبت الأمر الإلهي بالعمل للعبد، مثل قوله تعالى:

Halaman tidak diketahui