Tafsir Sadra al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Genre-genre
[الأعراف:156] ومن جملة الأعيان والماهيات التي نالتها كلهال الرحمة الوجودية هو عين الغضب والانتقام. فبالرحمة أوجد الله عين الغضب فيكون أصله خيرا وكذا ما يترتب عليه من الآلام والأسقام والبلايا والمحن وأمثالها مما لا يلائم بعض الطبائع، وإليه أشار عليه وآله السلام بقوله: الخير كله بيديك والشر ليس اليك. ومن أمعن النظر في لوازم الغضب من الأمراض والآلام والفقر والجهل والموت وغير ذلك، يجدها كلها بما هي أعداما أو أمورا عدمية معدودة من الشرور وأما بما هي موجودات فهي كلها خيرات فائضة من منبع الرحمة الواسعة والوجود الشامل لكل شيء فعلى هذا يجزم العقل بأن صفة الرحمة ذاتية لله تعالى وصفة الغضب عارضية ناشية من أسباب عدمية.
إما لقصور الوجودات الإمكانية عن الكمال بحسب درجات بعدها عن الحق القيوم أو لعجز المادة عن قبول الوجود على الوجه الأتم فينكشف عند ذلك ان مآل الكل إلى الرحمة كما ورد في الحديث فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين.
قال الشيخ العربي في الفتوحات المكية: واعلم أن الله يشفع من حيث أسماؤه، فيشفع اسمه أرحم الراحمين عند اسمه القهار وشديد العقاب ليرفع عقوبته عن هؤلاء الطوائف. فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط، وقد نبه الله تعالى على هذا المقام فقال
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا
[مريم:85] فالمتقي إنما هو جليس الاسم الإلهي الذي يقع منه الخوف في قلوب العباد، فسمي جليسه متقيا منه، فيحشره الله من هذا الاسم إلى الاسم الذي يعطيه الأمان مما كان خائفا منه، ولهذا يقول (صلى الله عليه وآله) في باب الشفاعة: وبقي أرحم الراحمين. فهذه النسبة، تنسب الشفاعة الى الحق من الحق من حيث أسماؤه. انتهى كلامه.
حكى الشيخ العراقي في رسالته المسماة باللمعات انه: سمع أبو يزيد البسطامي هذه الآية:
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا
[مريم:85] فشهق شهقة وقال: من يكون عنده كيف يحشره إليه. وجاء آخر فقال: من اسم الجبار إلى اسم الرحمن ومن القهار الى الرحيم. انتهى.
أقول: إنما أشار العراقي بقوله: وجاء آخر: إلى الشيخ المذكور الذي نقلنا كلامه المشار إليه سابقا.
واعلم أن معرفة أسماء الله تعالى علم شريف ذوقي، ومشرب عظيم دقيق، قل من الحكماء من تفطن بعلم حقائق الأسماء، إلا من كوشف بكون وجوده تعالى بأحديته الجمعية كل الموجودات قبل حصولها، وان عالم أسمائه عالم عظيم الفسحة، فيه صور جميع الأعيان والماهيات، وسنذكر نبذا من هذا المقام في مستأنف الكلام، عند بيان قوله تعالى:
Halaman tidak diketahui